في ضوء (ثقافة الممنوع) التي يتمتع بها مجتمعنا العربي، قال طفل- في العاشرة من العمر- لأبيه: أريد أن تذهب بي إلى مطار الملك عبدالله بجازان لأستمتع بحركة إقلاع وهبوط الطائرات؛ مُعبراً عن حَيْرتِه كيف أن الطائرة تسير على الأرض كالسيارة، وعلى الرغم من ضخامة حجمها وثقلها، وثقل ركابها وأمتعتهم إلا أنها ما تلبث أن ترتفع نحو السماء في انسياب رائع ورشيق مذهل أثار إعجابه وتفكيره.

أخذ الأب ابنه وذهبا إلى المطار؛ ولأنهما غير مسافرين قررا أن يدخلا صالة القدوم ويقفا بجوار الحائط الزجاجي يترقبان قدوم طائرة أو مغادرة أخرى؛ وبينما هما كذلك، جاءهم المسؤول وقال لهما: ممنوع الوقوف هنا. قال الأب: لماذا ممنوع؟. قال المسؤول: "ممنوع وبس" استرحم الأبُ المسؤولَ أن يخرج هو ويبقي ابنه، فرفض طلبه، فعادا إلى البيت؛ وأمام إصرار ابنه عاد به بعد بضعة أيام على أمل أن يجدا مسؤولاً آخر أكثر تفهما أو- على الأقل- أكثر إقناعاً بتبرير المنع، مكتفيين بوقوف الابن وحده بجوار الحائط الزجاجي، على أن يجيب الأب عن أسئلة ابنه بعد خروجهما؛ وبينما كان الطفل يتابع بانتباهٍ هبوط طائرة ضخمة، صاح باتجاه أبيه مندهشاً: لماذا يا أبي حينما تهبط الطائرة من الجو لا تقع فتتكسر، كما نتكسر نحن حينما نقع من مكان عالٍ؟! قال الأب: سأجيبك لاحقاً.. وبعد بضع ثوانٍ سمع الطفل صياح مسؤول يقول: "ممنوع الوقوف هنا يا ولد". قال الطفل: "الله يخليك يا عمو خليني شوية حتى أشوف كيف تقلع الطيارة".

أظن أن (ثقافة كل شيء ممنوع) تحتاج إلى مراجعة، فحينما نقول: ممنوع الوقوف بينما وضع المكان يسمح بالوقوف فيه، أو ممنوع الجلوس بينما لا يوجد مكان تجلس فيه، أو ممنوع التصوير مع أنه مصور في قوقل إيرث، أو ممنوع الدخول في حين لا يوجد شيء بالداخل يتطلب عدم رؤيته.. كل هذا قد ينشئ جيلاً لا يحترم التعليمات ولا يستجيب لتطبيقها، وقد يعيش في صِدَامٍ مستمر مع الأنظمة والقوانين الرسمية والمجتمعية، وخاصة مع بداية دخول الأبناء مرحلة البلوغ والشعور بالمراهقة عند الميل إلى تكوين الشخصية واستقلال الرأي، والإحساس بأنهم أصبحوا أفراداً مؤثرين في المجتمع يرون وجوب مشاركتهم في صنع أنظمته وقراراته.

قلتُ:

حينما يقدم المسؤول لمجتمعه وردة، فإنه ليس بحاجة لأنْ يكتب مشاعره على ورقة مرفقة، لأنّ الوردة ستنوب عنه في التعبير.