اليورو عمره اليوم عشر سنوات ولا يزال إذن على مشارف "المراهقة"، أي المرحلة الأصعب قبل بلوغ سن النضج . لم تكن مسيرته سهلة وكانت منطقته ـ منطقة اليورو، كما يطلقون على البلدان الأوروبية التي تبنّت هذه العملة الموحّدة ـ قد عرفت هزّات كبيرة في العامين المنصرمين كان أكثرها بروزا الأزمة اليونانية ثمّ الأزمة الأيرلندية. ويبدو أن أفق 2011 يشير إلى حالة من القلق، وربما من الزوابع فيها.

لا شكّ في أن اليورو كان الإنجاز الواقعي الأكثر بروزا والأكثر تعبيرا عن تقدّم مسيرة التوحيد الأوروبي. ولا شكّ أنه يحتل اليوم المرتبة الثانية عملة على صعيد الاحتياطيات المالية العالمية. لكن هذا لا يمنع واقع أنّه مهدد، وحتى بوجوده نفسه.

هذا ما أشارت إليه عناوين صحفية عديدة من نوع "اليورو مهدد بالزوال" و"مستقبل اليورو في مهبّ الريح" وسلسلة طويلة على نفس النغمة تصبّ كلّها في خانة القلق على مستقبل اليورو.

وكان الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد جوزيف ستيجليتز أكثر صراحة ووضوحا عندما قال في تصريح للبي بي سي مفاده "أن مستقبل اليورو قد يكون قصيرا". وقد ربط ذلك بإضافة: "إذا لم تتوصّل أوروبا إلى تسوية مشاكلها الجوهرية".

وهناك بالفعل مشاكل جوهرية تواجهها أوروبا "اليورو". وأكثرها جوهرية أنها تسير بـ "سرعات متفاوتة"، إذ إن ألمانيا تركت البلدان الأخرى وراءها بعيدا واستعادت موقعها الريادي في ميدان التصدير وتستطيع الاعتماد أيضا على تنشيط الاستهلاك في سوقها الداخلي. وفرنسا تسير بسرعة متوسطة وتحلم دائما بالتقدّم لكنها محكومة بمنظومة اجتماعية موروثة قد يتطلّب تخطيها "ثورة حقيقية".

بالمقابل هناك عدّة بلدان أوروبية "محيطية" تصل البطالة فيها في أسواق العمل إلى نسب مقلقة مثل إسبانيا (20 بالمئة) واليونان(15 بالمئة) وأيرلندة (13 بالمئة).

والسؤال الكبير المطروح اليوم هل ستستطيع هذه "الحلقات الضعيفة" المقاومة؟ ليس هناك أي ضمان حقيقي بذلك والأسواق المالية العالمية تترصّد.

إن بروز أية أزمة جديدة على الشاكلة اليونانية والأيرلندية قد يضع أوروبا أمام معضلة مهددة. ذلك أن ألمانيا أعلنت إرادتها الواضحة أنها لن تقبل "لامسؤولية الآخرين" ولن تساعد على "الخطأ" فأيّة دولة تسيء التصرّف في تمويلاتها العامّة لسنوات عديدة و"لا تتعامل بدقّة مع الأرقام" عليها أن تدفع الثمن غاليا. الألمان، رسميوّن ومواطنون، كما دلّت استطلاعات رأي كثيرة مؤخّرا ـ يرون في اليورو "تهديدا وليس امتيازا". والشعور السائد هو أن "عدم انضباط" البعض تدفع ألمانيا القسط الأكبر من كلفته.

وهذا ما عبّر عنه كتاب صدر مؤخّرا في ألمانيا وراج كثيرا تحت عنوان "بليغ" هو "أنقذوا أموالنا، فألمانيا يتم بيعها بسعر زهيد"؛ مؤلف هذا الكتاب ليس إلا الرئيس السابق لنقابة أرباب العمل الألمان.

بالمقابل هناك إدراك عام في أوروبا، خاصّة في ألمانيا، أن "ترك اليورو" أكثر كلفة من الإبقاء عليه. لكن استمراره يعني أن الدول الأوروبية الغنيّة، وخاصّة ألمانيا ستتحمّل القسط الأكبر من الأعباء. وفي المحصلة قد يغدو من الصعب المحافظة على التوازن الهش القائم إذا هبّت رياح الأزمات.

صحيح أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أعلنا "تصميمهما على إنقاذ اليورو"، وأنهما "سيفعلان المطلوب من أجل الدفاع عنه وعن الاتحاد الأوروبي"، كما جاء في تصريح مشترك قريب لهما. هذه الإرادة المصممة حقيقية وتمليها المصالح الاستراتيجية الأوروبية في عالم اليوم والغد، لكنها تتضمّن أيضا الاعتراف بوجود تهديدات حقيقية.

صمود اليورو يرتبط بعوامل كثيرة على رأسها النمو الاقتصادي لبلدانه "كلّها"، فالقاطرة الألمانية لا تكفي وحدها، فهذا "مفتاح" أساسي للاستمرار. هذا ناهيك عن العوامل الخارجية وعلى رأسها دور الأسواق العالمية وشبح "حرب العملات". "اليورو هو أوروبا"، حسب تعبير للرئيس الفرنسي، وبالتالي إذا فرط فيه فرط في أوروبا.

في كل الحالات، تستحق مغامرة اليورو، بقي واستمر أو انتكس، التأمّل والتمعّن في المسارات ذات الطبيعة المشابهة.