البيان أو «الإعلام» عبارة عن مهمة يقوم بها الضيف أو مجموعة الضيوف، يذكرون من خلالها «علوم الديرة» القادمين منها، وذكر سبب هذه الزيارة حتى يكون مضيفهم على علم بالغرض من القدوم إليهم، والدوافع لهذه الزيارة، لتتضح له الأمور منذ البدء حتى يطمئن المضيف ويعلم بواعث غشيان الضيوف، لأن بعض الزيارات تكون دوافعها فاجعة، كالإعلام عن مرض قريب، أو وفاة عزيز، أو مشاكل بين أفراد القبيلة لانعدام وسائل الأخبار تلك الحقبة.
يُعد البيان فنا أدبيا جميلا يقوم على السجع والكلمات الموزونة، وكان يحل محل وسائل الإعلام الحديثة، وهو عادة دارجة إلى هذا اليوم في بعض مناطق الجنوب السعودي.
الشخص الذي يبيّن يسمى «المُبيِّن» أو «المُِعْلم» -بضم الميم الأولى أو كسرها-، يذكر ما خلفه من أخبار الديرة والعشيرة من خير ومطر وسيول وزروع ومواليد وزواجات وخلاف ذلك من الأمور السارة، ويذكر أيضا بعض الأمور الأخرى والتي قد لا تسر، إلا أن الحديث عنها حتمي كالجدب وشح المطر وقلة الزروع، وبعض الأمراض والطلاق والوفيات.
كذلك، فإن الشخص (المبيّن/ المعْلم) يذكر ما اعترضه في الطريق من أخبار الديار التي اجتازها أثناء قدومه وعلوم المطر ووصف الطرقات التي طواها والناس الذين مر بهم من حيث المآثر والمخاطر، سواء كان راجلا أو راكبا.
يُعد البيان ركنا من أركان «المراجل» والذي لا تتصور حياة الريفي الجنوبي بدونه في ذلك الحين وإلى هذا الحين في بعض الأماكن، خصوصا عند كبار السن، والذين أخبرني أحدهم أن النساء أيضا كنّ يتلون البيان على النساء والرجال. اكتسب هذا الفن الأهمية سابقا لكونه بمثابة نشرة الأخبار التفصيلية، بما فيها أخبار الأحوال الجوية، وأخبار الأحوال الشخصية، والأخبار الاقتصادية، ومن هنا تكمن البلاغة عند المتحدثين في البيان، لأن كل شخص يحاول أن يتقن هذا الفن وكأنه مذيع بليغ أمام شاشة إخبارية تلقي دورات مكثفة في الإلقاء، لا سيما أنه لكل مناسبة علم يختص بها كالزواج، الصلح، العزاء، طلب معونة أو الزيارة العادية وغير ذلك.
يعتمد البيان/ العلم على أركان ثلاثة هي: المقدمة وعادة ما تكون مسجوعة، وفيها تظهر براعة الملقي وتدور حول الحالة العامة للديرة القادم منها، والركن الثاني هو الموضوع أي الغرض من الزيارة، وأخيرا الخاتمة وتكون -غالبا- قصيرة يُفهم منها أن الضيف انتهى من علمه ليعقبه المضيف بالرد بطريقته الخاصة أو بالطريقة المألوفة.
والبيان محترم فلا يقاطعه أحد، بل يصغي إليه كل من في المكان عدا بعض المداخلات البسيطة، فبعد السلام والترحيب يجلس الضيف/ الضيوف ثم يتحين الفرصة أحدهم ويبدأ بقول «العلم سلامتكم…» أو «صلوا على النبي…» إيذانا منه بابتداء البيان/ العلم، ثم يشرع في حديثه شارحا دوافع الزيارة بتعبير إنشائي جميل يفهمه جميع من يسمع من الكبار والصغار، رجالا ونساء.
يتولى البيان الأكبر سنا من الضيوف، وربما تنازل الكبير لأحد المرافقين لاعتبارات معينة. في حالة كون الضيوف أغرابا عن المضيفين فإنهم يعينون، مسبقا، من يتحدث عنهم في موضوع البيان، وإن كان الأمر غير ذلك، كأن يكونون أقارب جاؤوا من بعيد، فإن التعيين قد يتأخر إلى حيث دخول المجلس.
لا تتخيل شغف الناس ونهمهم لسماع بيانات الضيوف القادمين، سواء من المكان النائي أو الداني، على اختلاف مشاربهم وأنواع بياناتهم المتباينة الأهداف والمواضيع، حتى إن النساء يستمعن للبيان بالحضور المباشر أو من خلف ستار. الأمر جدي إلى أبعد الحدود وذلك لعوامل عدة، أهمها عدم توافر وسائل الإعلام المتنوعة ذاك الأوان، فلا يستوحي الناس الأخبار إلا من خلال القادمين إليهم من قريب أو بعيد.
يترتب على سماع أخبار القرى الأخرى سعادة أو مخاوف، وربما تحسبات وحسابات معينة. أهم ما يسعد القروي هي أخبار الأمطار الوابلة والبلاد المكتسية برداء خضرة الزروع، قريبة كانت أو بعيدة، الأمر الذي يرفع من معنوياته لكونها تباشير خيرات يترقب وصول شيء منها إليه، فإن لم يصله شيء منها فإن هذا يمنحه فرصة أن «يزبن» أو يلجأ لتك القرى حين تضيق عليه الأمور وتلزمه الحاجة.
هذا علمنا وسلامتكم.