شرّف الله المملكة بأن جعلها بلد الحرمين الشريفين، مكة والمدينة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبها)، وشرفها الله تعالى بأن جعل ولاتها يحكمون بما أنزل الله امتثالا لقوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون)، وشرفها أن جعلها آمنة والناس يتخطفون من حولها قال تعالى (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم)، فالحقوق فيها بحمد الله مصونة، والأعراض محفوظة، وإذا وجد حق انتهك لأي فرد في المجتمع، فالشريعة قائمة ومطبقة في المحاكم ولله الحمد، فيؤخذ الحق للضعيف من القوي، ومن الظالم للمظلوم، وما كل من ادعى الظلم مظلوم، بل قد يكون مظلوما وقد يكون ظالما، وهذا يعرف بعد النظر إلى البينات، والاستماع من كل الأطراف، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي)، وإذا تم النظر في ذلك فإن الحقوق تؤدى إلى أهلها، ولكن بعض الناس يتوهم أن إساءته حق له، فيظن أن حق التعبير يعني إساءة التعبير، ويعني كذلك أن يتدخل فيما لا يعنيه، ويعني أن ينازع الأمر أهله، كلا، ليس الأمر كذلك، وهكذا بعض النساء تظن أن من حقها إسقاط الأحكام الشرعية، والآداب المرعية، واتخاذ أخدان تذهب معهم الليالي والأيام حيث شاءت، دون اعتبار للنصوص الشرعية، والحقوق الأسرية.
ولو فرض أن أي رجل أو امرأة لم يفعل ما يخالف الشرع والعقل، ولكن أصابه الأذى والتعنيف من أسرته، لو سلمنا جدلا بوجود ذلك، فإن علاج هذا الأذى ليس الفرار من الرمضاء (المشاكل الأسرية) والوقوع في النار (الارتماء في أحضان الكفار)، بل علاج ذلك في المحاكم الشرعية، والأنظمة الحقوقية، وهي بحمد الله موجودة في بلادنا السعودية.
في تلك البلاد التي يهربون إليها في الغرب، تجد الناس على قارعة الطريق، لا يجدون ما يأكلونه من الطعام، لا أحد يهتم بهم، بل اهتمامهم بكلابهم أكثر من اهتمامهم بالإنسان، هذا أمر رأيناه بأعيننا، فأين حقوق الإنسان المزعومة عندهم؟
وأما إن كان المقصود بحقوق الإنسان الحرية المطلقة للإنسان بأن يفعل ما تهواه نفسه مما حرم الله، دون مراعاة لما نهى الله عنه ورسوله، فهذه في الحقيقة ليست حرية، وإنما هي عبودية للنفس والشيطان والهوى، فإن قالوا إن بلادنا السعودية محرومة من هذه الحقوق، ولا تسمح بما تهوى الأنفس من المحرمات في الشريعة، فالجواب: هذا والله شرف لبلادنا أنها لا تسمح بذلك، لأن تلك مخالفات وليست حقوقا، وبلادنا السعودية بحمد الله طيبة، ينصع طيبها، لا تقبل الخنا وسفاسف الأخلاق، كما أن من كان يحب الخنا وسفاسف الأخلاق لا يحبها، فيهرب منها، إلى بلاد توفره، فهؤلاء كما جاء في الحديث (كالجعلان تدفع النتن بأنفها)، قال الدميري فيما نقله عنه شراح الحديث (ومن عجيب أمره- أي: الجعل - أنه يموت من ريح الورد وريح الطيب فإذا أعيد إلى الروث عاش)، فالذي يموت من رائحة الطيب والفضيلة في بلادنا السعودية، ويهرب منها، ولا يتحملها، فالعيب فيه وليس في الطيب.
وقديما قال المتنبي:
ومن يك ذا فم مر مريض / يجد مرا به الماء الزلالا.
فإن قيل، إذا كانت المملكة تتميز بهذه الخصائص الطيبة، والآداب الفاضلة، فهل يعقل أن ينقم منها بعض الناس لأجل ذلك؟
فالجواب: نعم، فالناس ليسوا سواء منهم النفيس ومنهم الخسيس، والخسيس يسيء إليك بسبب أنك أحسنت إليه، وإن شئت دليلا على ذلك من كتاب الله فاقرأ قوله تعالى (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله)، انظر لما أغناهم الله ورسوله نقموا وآذوا، هذه طبيعة بعض البشر.
فدولتنا السعودية بحمد الله جبلت على الخير، والدفع بالتي هي أحسن، والصبر الطويل، وحتى من أخطأ إذا رجع عن خطئه عاملته الدولة كما يعامل الوالد الرحيم ابنه، هذا أمر واقع رأيناه بأعيننا، ويشهد به كل منصف، والشهادة لا يصح كتمانها، قال تعالى (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)، ومع هذا الإحسان من الدولة هناك من يسيء إليها لأنها أغنته، وعلى سبيل المثال يوجد أشخاص تبتعثهم الدولة على حسابها وترعاهم صحيا وتعليميا وتوفر لهم كل الخدمات، ثم يقابلون ذلك بالجحود والنكران، بل والكذب على دولتهم والتهييج عليها، فالنكران قد يوجد ولكنه بحمد الله نادر وصاحبه ممقوت عند كل شريف عاقل، وفي المقابل هناك من عاش ومات لم يأخذ من الدولة ريالا واحدا، بل أكل من كد يده، ومع هذا يشكر هذه الدولة السعودية ويثني عليها، عقيدة وقربة إلى الله ويقول هي التي نصرت الدين، وحفظت الأمن، وسعت في إيجاد فرص لمن أراد الكسب والعمل الخاص، أو العمل الحكومي، وفي رقابنا بيعة لولاة أمرنا سنلقى الله بها ثابتين غير غادرين ولا مغيرين، لو خاضوا بنا البحر نصرة للدين والوطن لخضناه معهم.