قبل البدء في تناول ظاهرة النسوية أو النسوية الراديكالية، يجب علينا أن نفرق بين ثلاثة مفاهيم مختلفة ذات رؤى متباينة، وإحداها مفهوم النسائية التي تختلف عن النسوية، وتختلف عن حركة تحرير المرأة، فمفهوم النسائية يعبر عن النشاطات والفعاليات التي تمارسها المرأة دون اعتبار للبعد الفكري والفلسفي، ودون أن يكون لها أي علاقة بأي إيديولوجيا سياسية، بعكس النسوية التي لها مضمون فلسفي وفكري مقصود، فضلا عن تورطها في الشأن السياسي، وقد يستغلها السياسيون في بعض الدول الكبرى للضغط على الدول كنوع من ممارسة الهيمنة وسياسة القوة.
والحركة النسوية تختلف بطبيعة الحال عن حركة تحرير المرأة التي تعد حركة اجتماعية، بمعنى أنها تتعامل مع المرأة باعتبارها جزءا من المجتمع، ومن ثم تحاول أن تدافع عن حقوقها داخل ذاك المجتمع، فالحركة النسوية والمتطرفة منها بالذات تنطلق من نظرية صراع تجاه الرجل كونه هو السبب الأول فيما تعانيه المرأة من تحيز واضطهاد ونظرة دونية، جعلتها تعيش على هامش المجتمع الإنساني، كما قالت جيل جونستون إحدى النسويات البارزات: «لسنا مضطرين لأن تكون لنا أية علاقة بالرجال على الإطلاق» وتعكس هذه المقولة طبيعة الصراع في الحركة النسوية الراديكالية كونه ثورة ومعركة نسائية لمواجهة الهيمنة الذكورية المتمركزة على جميع البنى الاجتماعية والاقتصادية والأسرية، لتحويل التمركز حول الرجل إلى التمركز حول الأنثى باعتبارها المحور الأساس للحياة بأكملها. فهي ترفض التفسير الواحد والوحيد المطروح للحضارة كونه نتاج العقل الذكوري الذي لعبت فيه المرأة دورا ثانويا كما تطرحه أدبيات الحركة النسوية، وهو ما عبرت عنه يمنى طريف الخولي إحدى رائدات النسوية في العالم العربي بتعريفها للنسوية بقولها: «هي كل جهد نظري أو عملي يهدف إلى مراجعة واستجواب أو نقد أو تعديل النظام السائد في البنيات الاجتماعية، الذي يجعل الرجل هو المركز، هو الإنسان، والمرأة جنسا ثانيا، أو آخر، في منزلة أدنى، فتفرض عليها حدودا وقيودا، وتمنع عنها إمكانات للنماء والعطاء، فقط لأنها امرأة، وفي الناحية الأخرى، تبخس خبرات وسمات لأنها أنثوية، لتبدو الحضارة في شتى مناحيها إنجازا ذكوريا خالصا، وهو ما يؤكد ويوطد سلطة الرجل وتبعية وهامشية المرأة».
لذلك لا تقتصر الحركة النسوية على تغيير نظام المرأة فقط والتعامل مع قضاياها بشكل سطحي، بل تتجاوزه للرغبة إلى التغيير الجذري للعلاقات الاجتماعية، وبإزالة العلاقات الاجتماعية القائمة على العلاقة الأبوية بين الفتاة والأب، حتى صارت العلاقة بين المرأة والأب أو الأخ أو الابن هي علاقة قائمة على السجال والصراع الدائمين، هذا الصراع قد يصل مرحلة الانفصال الكلي عن عالم الرجل، وتحولت هذه الحركة الانفصالية إلى تكوين جناح نسوي متطرف يسعى للتحريض على الرجل كونه المسبب الأول لكل ما تعانيه المرأة من أزمات اجتماعية، وهذه الحركة النسوية المتطرفة تفرعت في العصر الحديث وصار لها أدوار سياسية كتأدية خدمات اجتماعية للنساء اللاجئات على سبيل المثال، وأصبحت أداة ضغط يلجأ إليها السياسيون والمنظمات الحقوقية لتحقيق مكاسب مالية أو سياسية ليس لها علاقة بهموم المرأة.
أول وأهم ضحايا هذه الحركة هي الأسرة، فقد سعت لتقويض وهدم أساس الأسرة كأول قيد يحول عن تحرر المرأة، وقطع كل صور التواصل والارتباط مع الجنس الآخر، كالحمل والإنجاب والأمومة والزواج، وفي هذا الإطار تقول شولاميت فايرستون في كتابها النسوية وما بعد النسوية: «إن القضاء على الأدوار المرتبطة بين الجنسين لن يتحقق إلا بالقضاء على الأدوار الثابتة التي يقوم بها الرجل والمرأة في عملية الإنجاب، ومن هنا فإن منع الحمل والتعقيم والإجهاض وثم التلقيح الاصطناعي كلها وسائل تساعد على تقليل التمييز البيولوجي ومن ثم الحد من التمييز بين الجنسين في مجال السلطة».
فمن خلال القضاء على رباط الزوجية يتم القضاء على الأمومة التي تعتبر من العوائق التي يجب إزالتها من وجهة نظر النسويات الراديكاليات، وطرح التلقيح الصناعي محل التلقيح الطبيعي كبديل تتحقق من خلاله المساواة، وهذه الخطوة ستؤدي إلى التحرر التام من الرجل من خلال تحكمها في حياتها الجنسية الخاصة، حيث يعتبرن الجنس وسيلة من وسائل الرجل للسيطرة على المرأة، ومن هنا طُرحت المثلية الجنسية أو السحاق كبديل للعلاقة الجنسية الطبيعية بين الرجل والمرأة لضمان التحرر من الحمل وتبعات الأمومة.