أنقذونا من فزاعة الوزير يا معالي الوزير!، فستبقى أيدينا على قلوبنا خوفا أن تنقضي مئة يوم أو تنتهي فترة عمل الوزير، قبل أن ترتوي مشاعرنا الجياشة من فيض عاطفته التربوية ولغته الراقية القادرة على إيقاف موجة التذمر والذعر التي اجتاحت قطاع التعليم، ويبدو أن النفوس قد هدأت في أحضان اللغة التربوية التي ولدت في أول رسالة نصية صباحية مع بداية الفصل الدراسي الثاني، واللفتات الحنونة في أول لقاء مع قيادات التعليم، حيث علت ثقافة الشفافية والمصارحة بين أقطاب القيادة التربوية، وتخفيف اللوم عن القاعدة الدنيا لمنظومة التعليم (معلم - قائد مدرسي) والتوجه نحو حلقات وسط المنظومة (مديرو التعليم - الإشراف التربوي) بنقل الحمل إليها للقيام بمهمة البحث عن الحلقات المفقودة في سلسلة التعليم، دون تحديد أدوات وآليات عملية لتحقيق غاية التحسين المنشودة في مستوى التحصيل، ليقف الدور عند مرحلة التشخيص المعروفة نتائجه سلفا والمقروءة في محاور أول لقاء مع الوزير.

 وما زلنا نؤمل بأن شجاعة الاعتراف بالضعف ستدفع إلى إيجاد آلية أكثر شجاعة تحدد مصير التعليم غير خاضعة لقرارات فردية أو أساليب إدارية نابعة من قدرات شخص الوزير أو مدير التعليم أو الجامعة، نحن بحاجة إلى شجاعة أكبر تضع التعليم في مكانه الحقيقي بكل سلبياته وإيجابياته، وتخليصه من الهالة التي تحيط به من البرامج الورقية والتقارير الإعلامية الجذابة والمبادرات الشكلية والمسابقات التي تنحو منحى التصنيف والتراتب الرقمي، إننا بحاجة إلى الصبر على أي نتيجة مؤلمة في سبيل إصلاح التعليم، فهو أسهل من اعترافنا بالضعف والبقاء في دائرة الضعفاء، ولا بد من قبول النتائج التي قد تؤدي ببعضنا إلى خارج أسوار المحيط التعليمي (طالب - معلم - قائد - مشرف - مدير -  كافة صفات شاغلي الوظيفية التعليمية)، فقبولنا بتلك النتائج خير من وجودنا خارج أسوار الحياة والحضارة الإنسانية بتعليم لا يحقق المستويات المهارية اللازمة، ولا يوفر الاشتراطات الكافية لملء مقعد وظيفي.

  إن الاتجاه نحو المخرجات بنفس الأدوات سيؤدي إلى نفس النتائج وسندور في فلك يجري في ذات المدار.

 وفي ظل الظروف الراهنة والمعطيات التي تقوم عليها الدولة بوضع إستراتيجيات طويلة المدى تتمحور حول رؤية (2030)، فالأحرى بالتعليم أن يخطو خطوات عملية نحو إستراتيجية تحدد معالم وزارة التعليم، وترسم سياسة المؤسسة الناضجة التي يكون فيها الوزير قائدا يتلمس سبل إنجاحها، وتوجيه بوصلة العمل في إطار وثيقة الخطة المعلنة التي يعرفها كل من له علاقة بالتعليم (كافة المجتمع)، تشمل الحقوق والواجبات والأطر العامة التي تحقق تطلعاتنا المستقبلية، وتمكن المتعلمين من المهارات والمعارف الكافية، وتدفع المعلمين نحو ممارسة أدوارهم التربوية والتعليمية بكل كفاءة ومهنية ودقة.

إن الحاجة قائمة لإيجاد توصيفات دقيقة لكل محور من محاور العملية التعليمية، وبتركيز أكثر على أركانها الأساسية انطلاقا من المدرسة، وتحديد المسؤوليات، وفرض أساليب تقويم عادلة تعزز النزاهة والمهنية وتعري مواطن التخلف والخلل، في ظل محاسبية واضحة وفق إطار معلن ومحدد من قبل.

  كل هذا نؤمله في إطار خطة للتعليم (2050) معتمدة بقرار سياسي يرسم الملامح ويوحد الجهود، ويضمن لنا زوال تقلبات ميدان التعليم المستمرة بتغيير قياداته، ويعلم الجميع من خلالها أن هذا المسار ملزم لا مجال فيه لتقصير أو اجتهاد خارج المحتوى العام.

 إن القليل من جهودنا اليوم التي تبذل في مسار التحصيل الدراسي أدت بنا إلى هاوية ضعف مخجل أفقدنا توازننا، في ظل مخرجات كانت فجوة الفارق الزمني في مشوارها التعليمي أربع سنوات، ستتضاعف مع استمرارنا بنفس الوتيرة، ما لم يكن هناك خطوات إجرائية ترمي بكل الجهود في زاوية الانطلاق.

فلنراجع اليوم كل الخطط بإدماجها في خطة تختصر لنا الفارق وتختزل الفاقد، وتوقف نزعة الأفراد وتعزز دور الإستراتيجية المؤسسية.