في هذا الوقت من كل عام، نحتفل بصدور ميزانية الحكومة، وتتكرر معها تصريحات المعنيين بأنها "ميزانية الخير والعطاء"، ولكن ضخامة الأرقام المعلنة، لا يصاحبها إفصاح حول الأداء الاقتصادي، للعام المنصرم، أو العام القادم المستهدف، خصوصاً فيما يتعلق بمعالجة أكبر معضلتين يعاني منهما الاقتصاد السعودي، وهما البطالة، والتضخم.
في الدول الصناعية المتقدمة يصدر شهرياً عدد من المؤشرات الإحصائية، الاقتصادية، ومن أهمها مؤشر البطالة، وعدد الوظائف الجديدة التي خلقت، أو ألغيت، ومؤشر ثقة المستهلكين، ومؤشر طلبيات المصانع من المكائن، والمواد الخام، ومؤشر مستوى الأسعار، ومخزونات النفط، كلها مؤشرات هامة، تساعد المخطط، ورجل الأعمال على التكيف مع الواقع، والأهم من ذلك أنها توجه صاحب القرار الاقتصادي للتركيز على معالجة قضيتي البطالة، والتضخم، بدلاً من الاحتفال بعدد المشاريع، المرصود لها ميزانيات، حتى ولو كانت فعلياً عبئاً اقتصادياً، من حيث تضخم الإنفاق الحكومي، أو غير مؤثرة في خلق وظائف للسعوديين، مثل قطاع المقاولات.
في ظل غياب تلك المؤشرات الهامة من حياتنا الاقتصادية، فقد لجأ البعض إلى مؤشر الأسهم للتدليل على درجة النمو، ومثله مؤشر دخل الفرد، وهي عملية حسابية، تقسم مجمل الدخل القومي، على عدد السكان، وهو إجراء نظري، لايضيف فائدة لأحد، وأحياناً ينظر البعض إلى نسبة نمو الودائع لدى القطاع المصرفي. وبشكل عام جميع تلك المؤشرات غير مفيدة، لأنها تتحدث عن وضع السيولة، ولكنها لا تتطرق إلى المعضلتين الأساسيتين (البطالة، والتضخم).
بشكل عام، ومنذ بداية الطفرة البترولية الثانية، والتي بدأت في عام 2004م، توجهت جهود الحكومة لتمويل مشروعات إنشائية كبرى، مثل توسعات الحرمين، وجامعة نورة، ومركز الملك عبدالله المالي، وعدد من الجامعات، وتوسعة مطارات، وبناء مدارس، وبناء طرق، كلها مشاريع هامة، لكنها بخيلة في توظيف المواطن السعودي، يضاف إلى ذلك أن قطاع الصناعة هو أصلاً لا يتوسع في التوظيف، بسبب اعتماده على الآلة، والتقنية الحديثة، أما القطاع الزراعي، فقد كان مصطنعاً، وانتهى دون توظيف سعوديين.
بقي قطاع الخدمات، وهو قطاع واسع، وقابل من الناحية النظرية إلى توظيف السعوديين، وأعني (قطاع التجارة، والعمل المصرفي، والسياحة، وخدمات الحج، والعمرة... إلخ)، ولكن القليل من الجهد يبذل لدعم ذلك القطاع، وخير مثال على تلك الآمال التي بنيت، ثم تبخرت، هو ما صاحب تأسيس هيئة السياحة، من زخم إعلامي، لم تتحقق من ورائه الأرقام الكبيرة، التي ذكرت عن فرص التوظيف التي ستخلق في ذلك القطاع، أما المدن الاقتصادية، فتلك أقرب إلى الأوهام، منها إلى إيجاد فرص عمل. وفي كل الأحوال فإن فرص العمل التي نتحدث عنها، هي للذكور فقط، أما الحديث عن مشكلة بطالة الإناث، فتلك قضية دونها خرط القتاد!! باختصار نحن بحاجة إلى برنامجين محددين، أحدهما لمعالجة قضية البطالة، والآخر للتضخم، ترصد لهما الأموال، ويشارك فيهما كل ذوي العلاقة، ويتبنيان كأولوية، تسبق كل مشاريع الأسمنت، والرخام، والألمنيوم.