يروي التاريخ الإنساني كثيرا من طرائف الحمقى والمغفلين في كل مجتمعات العالم، وقد أفرد التراث العربي جزءا منه لسرد وقائعهم، حتى بلغت مرحلة تدوين الكتب وتفصيلها عنهم. ويعدّ أشعب بن جبير -ولد في 9 هجرية، وامتد به العمر إلى خلافة المهدي- كأبرز الحمقى في التراث العربي، على الرغم من العلم الديني الذي قيل إنه قد تلقاه في حياته، إذ غلبت كثرة هزله وظرفه ودعابته على جديته، حتى قال الناس فيه: «ضاع الحديث بين أشعب وعكرمة»، والتي تعود قصتها إلى أن أشعب قال: «حدّثنا عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله قال: لا يخلو المؤمن من خلتين». وسكت، فقيل له: «ما هما؟» فقال: «الأولى نسيها عكرمة، والثانية نسيتها أنا».
ويورد المؤرخ أبو الفرج الجوزي «508 هـ - 597 هـ»، في كتابه «أخبار الحمقى والمغفلين»، عددا كبير من القصص الفكاهية من ناحية والمؤلمة من ناحية أخرى، ومن ذلك «ما جرى لأبي الفرج العلوي أنه كان أعرج أحول العينين، فسمع مناديا ينادي على تيس، كم عليكم في هذا العلوي الأعرج الأحول؟، فلم يشك العلوي أنه عناه، فراغ عليه ضربا، إلى أن تبين أن التيس أحول أعرج، فضحك الحاضرون مما اتفق من القول واختلط من الفهم عليه.
وفي موضع آخر، أن بعضا من الأعراب صلّوا خلف الإمام في الصف الأول، وكان منهم أعرابي اسمه»مجرما«، فقرأ الإمام والمرسلات إلى قوله:»ألم نهلك الأولين«، فتأخر الأعرابي إلى الصف الآخر، فقرأ الإمام:»ثم نتبعهم الآخرين«، فرجع إلى الصف الأوسط، فقرأ الإمام:»كذلك نفعل بالمجرمين«، فولى فارا وهو يقول:»ما أرى المطلوب غيري«.
ومن الطرف التي يرويها الكتاب، أن أعرابيا صلّى خلف إمام صلاة الغداة»الفجر«فقرأ الإمام سورة البقرة، وكان الأعرابي مستعجلا ففاته مقصوده، فلما كان من الغد بكّر إلى المسجد، فابتدأ الإمام بسورة الفيل فقطع الأعرابي الصلاة وولّى وهو يقول: أمس قرأت البقرة، فلم تفرغ إلى نصف النهار، واليوم تقرأ الفيل، ما أظنك تفرغ منها إلى نصف الليل.
وينقل الجوزي أن أعرابيا كان يصلّي فأخذ قوم يمدحونه ويصفونه بالصلاح، فقطع صلاته وقال: مع هذا إني صائم.
من وصف الحمقى عند الجوزي، من طالت رقبته ورقت فهو صياح أحمق جبان، ومن كان أنفه غليظا ممتلئا فهو قليل الفهم، ومن كان غليظ الشفة فهو أحمق غليظ الطبع، ومن كان شديد استدارة الوجه فهو جاهل، ومن عظمت أذنيه فهو جاهل طويل العمر، وأن حسن الصوت دليل على الحمق وقلة الفطنة.
في التراث العالمي الأوروبي، تبرز الشخصيات الحمقاء على مستوى السياسيين أكثر، وتعدّ عبارة الملكة ماري أنطوانيت أعظم عبارة حمقاء حتى الآن، فقد كانت أحد أبرز العبارات التي ألّبت الجماهير في الثورة الفرنسية، وكان القائد النازي الألماني هتلر، أحد أبرز الحمقى الذين حكموا العالم، فقد حاول عبر حلمه الخرافي السيطرة على العالم، وأوصله غروره إلى فتح جبهات قتالية متعدد في مواجهة خصوم أقوياء، هم الحلفاء في أوروبا غربا وشمال إفريقيا، والدب الروسي شرقا، واليوم يرى عدد من المحللين السياسيين أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب شخصية حمقاء بامتياز، ولا يتوانون عن قول ذلك علانية في وجهه. ومن الشخصيات السينمائية العربية يظهر إسماعيل ياسين، وفي السينما الغربية لوريل وهاردي، ومن قبلهم شارلي شابلن.
وعن الحماقة قال المتنبي»لكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها«، فيما يقول الفيلسوف والمفكر برتراند راسل»مشكلة العالم أن الحمقى والمتعصبين هم واثقون من أنفسهم دائما، وأحكم الناس تملؤهم الشكوك».