«محاولة سقيا نبات لا ينتج إلا الشوك هو هدر للماء والجهد»
الزميل العزيز فيصل عباس رئيس تحرير جريدة عرب نيوز كتب مقالا لافتا باللغة الإنجليزية «شتاء في طنطورة، لكن ربيع للدبلوماسية الثقافية السعودية».
قد أختلف كثيرا مع رأي الزميل فيصل في هذا المقال، لكن قبل هذا، من الواجب أن أذكر أنني من المعجبين والمتابعين لحيويته وتغييراته وأسلوبه في «أراب نيوز»، والحق يقال إن أغلب الإعلاميين الذين قابلتهم يثني عليه.
في مقال الزميل فيصل يذكر وبالمختصر وبتصرف، وبما معناه أنه كان هناك جماعتان متصارعتان من المستشارين فيما يخص السياسة السعودية تجاه لبنان، جماعة الصقور وجماعة الحمائم، جماعة الصقور أرادوا تحولا كاملا، ربما مع وجوه جديدة لتمثيل المصالح السعودية، وهددوا بفك الارتباط الكامل، وجماعة الحمائم التي تختلف تماما مع جماعة الصقور، فهي تعرف بتزايد نفوذ حزب الله، لأن الحرب في سورية تميل لصالح نظام الأسد، وفضّلوا «إذا لم نتمكن من إصلاحها تماما، دعنا لا نخاطر بخرقها كليا»، وذكر أن جماعة الصقور كانت على خطأ، وأن جماعة الحمائم بوجود المستشار نزار العلولا والسفير وليد بخاري، وتطرق المقال إلى تعهد من السفير البخاري للنظر في سحب تحذير السفر إلى المواطنين السعوديين بمجرد تشكيل الحكومة في لبنان. هذا سيعطي السياحة اللبنانية دفعة ترحيب.
وكذلك تطرق إلى إنشاء مجلس إستراتيجي، كما تستطيع الرياض دعم البنك المركزي اللبناني من خلال الإيداع أو القرض الذي تشتد الحاجة إليه.
ليعذرني الأستاذ فيصل، إن مراجعة تاريخ لبنان وتجاربنا معه تظهر أمورا كثيرة ترشدنا إلى ما يكون عليه واقع الحال ومستقبل لبنان، إضافة إلى وجود قواعد كثيرة، وأساسيات في علم السياسة الواقعية، منها نظام الثواب والعقاب، الجزرة والعصا، إذا طبقنا نظام الحمائم لوحده فكأننا نسقي أشواكا، عمليا إن أي دعم للبنان والحكومة اللبنانية الضعيفة هو دعم غير مباشر لحزب الله شئنا أم أبينا.
لقد شهدت المرحلة السابقة موجة تطرف لبناني ومزايدة على التقرب، حتى من أكثر الطوائف انفتاحا ومرونة، فحتى بعض مسيحيي لبنان أصبحت تصريحاتهم لا تدري أهي لمسيحي لبناني أو معمم في طهران، وليس هذا بسبب أن السعودية كانت لا تدعم ولا تتواصل مع لبنان، ولكن بسبب أنه لا يوجد سياسة ثواب وعقاب.
حسب تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات فإن حاجة الأمان أهم من الحاجة للتقدير، حزب الله يهددهم بسلامتهم الجسدية، بينما السعودية تعطي تقدير الذات والاحترام والإكرام.
لذلك مهما عملنا بطريقة الحمائم فالنتيجة كما رأينا أنهم سينقلبون علينا، دون وجود الثواب والعقاب، للتذكير فقط هناك ما هو أقوى من ظاهرة الأمان في تسلسل ماسلو، وهو الحاجات الأساسية، ولست أقول أن نتعامل مثل حزب الله بالتهديد، لكن نملك أوراقا مهمة، كما أن أي دعم للحكومة اللبنانية حاليا هو تخفيف لخطة الحصار التي بدأتها الولايات المتحدة على تجفيف منابع وأموال حزب الله.
إن حزب الله يا عزيزي فيصل ليسوا بشرا، لا يوجد أحد يكره المملكة، وربما أكثر من الملالي في طهران كما الحزب، فهو يقاتل أبناءنا في اليمن، ويحاول تدمير الشباب السعودي والمجتمع في المخدرات، وعندما أقول ليسوا بشرا، فهي بمعناها الحرفي، أهالي القصير استضافوهم في بيوتهم أيام حرب 2006، بينما الحزب جازى معروف أهل القصير بالقتل والدمار، وعندما يحاصرون إحدى المناطق السورية فيحرصون على التجويع حتى يموت الأطفال والرضع، أي صفة بشرية ممكن نطلقها على أشباه البشر، وبسقياهم تخرج أشواكا سامة. لست عنصريا ولا إثنيا وأعرف لبنان، وأصدقائي اللبنانيون حول العالم من كل الطوائف، ولا أحب أن أصنفهم على خلفياتهم، لكن بدون مبالغة ربما الغالبية من الأصدقاء مسيحيون. أما عن موضوع الحمائم، مع كامل الاحترام، وبغض النظر عن الأحداث التي رافقت تعيين السفير وليد بخاري!، وللحكومة السعودية رأي يجب أن نحترمه، فلنرجع قليلا، ونرى رد السفير أثناء أزمة «المقال الشوارعي» الذي صدر من أحد أعوان محور طهران وحزب الله، وكذلك ردود الحكومة اللبنانية كانت مهادنة، ويحسبون شوية كلام وترضيات تنسينا الانحدار الذي وصل له البعض في لبنان، وربما الموائد والمناسبات مع سياسيي لبنان لن تحدث اختراقات، فالسياسيون اللبنانيون يعترفون بالشيء الملموس والسياسة الواقعية.
أعترف أنني أنتمي إلى مدرسة الواقعيين الجدد في السياسة، ونقيس الأمور بتأثيرها المادي وبقواعد «النيوريالزم» المعروفة، لكن أحب أذكر يا عزيزي فيصل أنني لست أكتب دفاعا عن جماعة الصقور الذين كتبت عنهم، فكتابتي السابقة واضحة، وأختلف في كثير من الأمور معهم، لكن أريد توازن صقور أذكياء ومتمكنين وبعض الحمائم، لأننا في منطقة ملتهبة ووقت يحتاج صقورا أكثر وبعض الحمائم للاتزان، حتى لا نرى حتى أصدقائنا أو من يدعون أنهم أصدقاؤنا ينقلبون علينا كالعادة بين عشية وضحاها.
ودعني أتفق معك عزيزي فيصل كليا في قولك: في الواقع، بينما يحفر العملاء الإيرانيون أنفاقا لشن مثل هذه الحروب، فإن السعودية تبني جسورا للثقافة.