لا بد أن كل واحد منا سبق أن مرّ بموقف أو مواقف احتاج فيها إلى مساندة من الآخرين، أو تلقّى منهم دعما مميزا.

لا أتكلم عن المواقف العابرة اليومية، بل عن المواقف التي كان لها أثر كبير في حياتنا، كتغيير طريقة تفكيرنا إلى الأفضل، أو الخروج من محنة ما أو ضائقة، أو الوصول إلى هدف مهم، هؤلاء الذين شكلت جلسة أو جلستان معهم فارقا كبيرا تغير بعده شيء مهم في مسيرتنا، فكانوا علامة فارقة فيها.

لماذا نمتلئ بالامتنان ولا نعبّر عنه بطريقة لائقة وكافية، تجعل ذلك الشخص يشعر بقيمة عمله، وأن ما قام به شيء عظيم ورائع؟.

إننا -وبكل آسف- جيّدون ومندفعون في التعبير عن امتعاضنا واعتراضنا، سواء تجاه الأشخاص أو المؤسسات أو الوطن -بجلالة قدره- فلا نتردد في إظهارها والتعبير عنها، بينما مشاعر الود والامتنان تعلق في صدورنا أو لا نظهرها بالشكل اللائق، ثم إن البعض يقول، سأكتفي بالدعاء لك في ظهر الغيب!.

نعم، اُدعُ لي، وأدعو لك، كلنا بحاجة إلى الدعاء، ولكن ما الذي يمنع أن تثني على عملي إن كان يستحق، وتزيدني ثقة بما أفعل؟!

بتنا لا نسمع عبارات: أنا ممتنّ لك جدا، ولا أعرف كيف أشكرك، أنا مدين لك بكل نجاحاتي، أنا مدين لك بحياتي، أنا تغيرت جذريا والسبب وجودك في حياتي، لقد تغيرت نظرتي للأمور والسبب نصائحك ودعمك، وأمثالها من عبارات الامتنان الصريح إلا في الأفلام الأجنبية، وعندنا الإسلام الذي اهتم بذلك صراحة، فقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، والناس هنا كلمة جامعة لكل من يقدم لنا معروفا، سواء كان فردا أو مؤسسة. وكان صلى الله عليه وسلم، يعبّر عن امتنانه للسيدة خديجة -رضي الله عنها- بشتى أشكال التعبير لفظيا وعمليا، لأنها كانت من كانت في مناصرته ومساندته، ولأنها كانت علامة فارقة في حياته، كان يثني عليها بما تستحق، ويكرم صاحباتها إكراما لها، ويعترف بفضلها كلما أتى على ذكرها في حياتها وبعد موتها، ويثني ويثني.

إنني لا أقول اُشكرني إذا خدمتك، فليس هذا ما أعنيه، فإن كلمة شكرا لن تزيدني رتبة، ولن تنقص قدري إذا لم تقلها، بل ما أعنيه هو أن توضّح لي ما أحدثه صنيعي الجميل في حياتك، إن كان أحدث، حتى أزداد رغبة في مساعدتك وأفعل مع الآخرين ما فعلته معك.

إن مما أعطانا انطباعا سيّئا عن الناس، وصرف كثيرا منا عن مدّ يد العون، هو خوفنا من عدم جدوى ما نصنعه معهم، أو لجحودهم وتنكرهم، والنفس البشرية مجبولة على حب الثناء الذي يدفعها تلقائيا إلى مزيد من العطاء والإحساس بالثقة.

وختاما نقول: كفانا نشتم علنا ونعتذر سرّا، كفانا تنكرا للجميل، كفانا جمودا عند المواقف الجميلة، واندلاعا عند المواقف السيئة، علينا أن نمتنّ قولا وعملا وشعورا لكل ما هو جميل حولنا، حتى ينعكس ذلك بالرضا والسعادة، ويولّد لدينا طاقة إيجابية للبذل والاستمتاع بالعطاء.

ولنتذكر أن أول جملة سيقولها أهل الجنة عندما يدخلونها: «الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الجنة..». فلنكن ممن يمتنّ ويعبّر. هذا مع وافر تقديري وامتناني لكل من أخذ بيدي في أي موقف، ممتنّة لكم جدا، لأنكم كنتم علامة فارقة في حياتي، إنني أستحضر امتناني لكم كلما أمسكت بقلمي، أو دارت في ذهني فكرة ما لأكتبها، وأتخيلكم حولي تتابعون ما أفعله بشغف، وتصفّقون لي، فأزداد طاقة إيجابية وشعورا بالرضا والسعادة.