شرع لنا ربنا أن نتحدث بنعمة الله، فقال تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث)، ونهانا أن نبدل نعمة الله جحودا ونكرانا فقال تعالى (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار)، ومن نعمة الله التي نتحدث بها أن بلادنا هي مهبط الوحي، ومنبع الإسلام ومأرز الإيمان، وولاة أمرنا هم أنصار الإسلام، وحماة العقيدة، منذ قرون ولا يزالون بحمد الله، ودستور بلادنا هو كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا أعلم على وجه الأرض اليوم، دولة ينص دستورها على: أن الكتاب والسنة هما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة، إلا دولتنا: المملكة العربية السعودية، فهو بحمد الله منصوصٌ عليه، ومطبقٌ عملياً، ولا يوجد دولة على وجه الأرض اليوم ينص دستورها على أن الدولة تحمي عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة، إلا دولتنا المملكة العربية السعودية، هذا هو دستورنا وهويتنا التي شرفنا الله بها، ومع الأسف توجد الآن بعض المقالات تهوِّن من هذه النعمة، فبعضها يتنقص دستورنا، وكنت كتبت مقالا جوابيا عليه هنا بعنوان (إلا دستور المملكة العربية السعودية)، وبعضها يقرر أن العقيدة الإسلامية التي يسمونها (الأيديولوجية الشرعية التي تستند عليها الدولة) سببٌ لسقوط الدولة السعودية الأولى، وكنت أيضا أجبت عنه بمقال في هذه الصحيفة بعنوان (لا تقولوا على بلادنا غير الحق)، واليوم نقرأ مقالات تُقرر أنه لا تَقدُم ولا حضارة إلا باتباع النهج الليبرالي، ويقولون بسخرية: ما يُسمّى الهوية السعودية، التي يُسبغ عليها البعض مسحة تقديسية وهمية، ويضيفون: لسنا عبيدا لتلك الهوية.
ثم من التلبيس، أنهم يستشهدون لباطلهم بوقائع لا علاقة لها بما يتحدثون عنه، كقولهم: إن تعليم المرأة كان مرفوضا، بينما هم يعلمون أن هويتنا الإسلامية قامت عليها بلادنا، وأن علماءنا الراسخين هم المشجعون لتعليم البنات، كما تنص عليه الوثائق، ففي الأمر الملكي الذي أصدره الملك سعود جاء فيه: (الحمد لله وحده، وبعد: فلقد صحت عزيمتنا على تنفيذ رغبة علماء الدين الحنيف في المملكة في فتح مدارس لتعليم البنات)، لاحظ أن الأمر الملكي أشار إلى رغبة علماء الدين، وأهل الأهواء يكتمون ذلك، وكأن الشريعة وحملتها ضد تعليم البنات، وأن التقدم لا يحصل إلا بالمنهج الليبرالي، وهم يعلمون كذلك أن بعض الأفراد من العوام هم الذين اعترضوا على تعليم البنات، وأن ذلك لا يصح أن يُنسَب لحملة الشريعة، لكن الهوى يُعمي ويُصم.
إن أي تقصير في التقدم والحضارة ليس ناشئا عن ديننا وهويتنا، فالدين يأمر بالعلم والتقدم والقوة، والعلماء يحثون على ذلك، فقول المنبهرين بالغرب واللبرلة (الليبرالية الغربية هي الحل) هو اتباع لسنن القوم، لدخول جحر الضب خلفهم، وإلا فالإسلام فيه دلالة على التنمية والتقدم والقوة والعزة، كما في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، والشريعة تأمرنا أن نستفيد من الآخرين مما لا يتعارض مع ديننا، لكنهم لانبهارهم باللبرلة يرون أن الأمة لن تنمو إلا باتباع النهج الليبرالي، وكأن النهج الإسلامي حجر عثر أمام الحضارة والتنمية.