يثار كثيرا الحديث عن جماعات الضغط الأميركية أو ما يسمى «اللوبي» ودورها في وضع السياسات والقوانين التي تحكم في أميركا، فما بين من يعتبرها حكومة ظل تخدم مصالح جماعات معينة على حساب المصلحة العامة للوطن، يرى البعض الآخر أن بلا هذه الجماعات لا يمكن للحكومة أن تعمل بشكل قريب من مطالب ورغبات المواطنين.
ولفهم ماهية هذه الجماعات لا بد من تقديم تعريف سريع لها، فهي تجمع من الأشخاص يتشاركون في رؤى واحدة سياسية أو اجتماعية أو فكرية أو مصلحية أو مدنية أو غير ذلك، ويعملون بشكل منظم وبتنسيق كامل في محاولة للتأثير على السياسات الحكومية والتشريعية والقاضية بحيث تخدم مصالحهم، وهي جماعات تعمل على مستوى الفيدرالي، إضافة إلى عمل بعض أشكالها على مستوى الولايات فقط.
أهمية هذه الجماعات يتضح في عددها الكبير والمتنوع والفاعل في الخليط السياسي والتشريعي، ففي عام 1959 كان عدد هذه الجماعات باختلاف توجهاتها 6000 جماعة، في حين وصل عددها اليوم لما يفوق الـ22 ألف جماعة متوزعة على قطاعات متعددة، فمنها الجماعات المعنية بالقضايا التجارية، ومنها المتخصصة بالدفاع عن المصالح العمالية، وأخرى للمزارعين أو المهنيين أو المدافعين عن البيئة، أو جماعات القضية الواحدة أو العلاقات الإثنية والدينية.
هذه الجماعات تعمل على نقل وجهات نظر أعضائها للحكومة وباقي السلطات، كما أنها تعمل من جهة أخرى على نقل المعلومات والتشريعات والسياسات الحكومة لعناصرها، إلى جانب قيامها بجمع المال وصرفه بالشكل الذي يحقق هدف التأثير على واضعي السياسات، وبحكم أن الحكومة والسلطة التشريعية لديها المليارات التي ترصدها للصرف على مفاصل الدولة تقوم هذه الجماعات بالعمل على التأكد والضغط، بحيث تحصل مصالحها على أكبر قدر ممكن من تلك الميزانية.
اليوم، يصل عدد المشتغلين في مجال الضغط السياسي في أميركا أو ما يطلق عليهم بالإنجليزية «Lobbyists» إلى 30 ألف مشتغل في واشنطن العاصمة وحدها، ينفقون في العام الواحد أكثر من ملياري دولار للتأثير على قرارات الكونجرس وحده، ويعملون من خلال عدد من الوسائل للتأثير، منها تقديم الدعم المالي والمعلوماتي لأعضاء مجلسي الكونجرس، وكذلك قيامهم بتقديم شهاداتهم أمام اللجان المختلف التابعة لمجلسي النواب أو الشيوخ والتي يوضحون فيها للمجلس رأيهم كمتخصصين في تلك القضية أو تلك.
وعلى خلاف ما يثار حول هذه الجماعات بأنها تخدم مصالح فئة محدودة، فإن الأرقام تقول عكس ذلك، فجماعات الضغط التي تعمل لصالح المدرسين الحكوميين تخدم أكثر من 3 ملايين عضو يستفيدون من السياسات التي تعمل الجماعة على تحقيقها لصالحهم، كما أن جماعات الضغط لصالح المحامين تخدم أكثر من 410 آلاف عضو من المشتغلين في قطاع المحاماة والعمل العدلي، كما أن جماعات الضغط المعنية بخدمة مصالح العمال يقومون بذلك خدمة لأعضائها البالغ عددهم 16 مليون عضو.
أهمية هذه الجماعات دفعت عددا من رؤساء أميركا لإنشاء مكتب داخل البيت الأبيض تكون مهمته الرئيسة إدارة الطلبات والتنسيق مع تلك الجماعات، إلى جانب أن أكثرية أعضاء المجالس التشريعية يحصلون على دعم مالي مباشر لحملاتهم الانتخابية، وإن كان وفق القانون تعد المبالغ محدودة، إلا أن ما تصرفه هذه الجماعات للترويج عما يطالب به ذلك المرشح أو ذاك في وسائل الإعلام أو في التجمعات والمهرجانات يبقى عنصرا مهما في مكانية الدعم المخصصة لإنجاح فرص فوز المرشحين في حملاتهم لشغل مقاعد تشريعية أو رسمية.
تبقى الإشارة إلى أن نجاح تلك الجماعات في العمل السياسي يعتمد إلى حد كبير على ثلاثة عناصر رئيسة، الأول هو حجم الجماعة وعدد الأعضاء والمؤيدين للقضية التي يضغطون من أجلها، والثاني هو التركيز في قضية معينة، فاللوبي الإسرائيلي في أميركا مثلا ناجح لأنه يركز عمله في دعم دولة إسرائيل فقط، وليس دعم حقوق اليهود مدنيا في أميركا، وهو العمل الذي تقوم به جماعات أخرى معنية بحقوق اليهود ومحاربة التميز ضدهم، بينما القدرة المالية للجماعة هو العنصر الثالث المهم الذي يسهم في نجاح الجماعة في الوصول لتحقيق أهدافها في استصدار قوانين وتشريعات تخدم مصالح أعضائها.