يُذكر أن المدعو «خالد شيخ محمد»، وهو المعروف بأنه العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، طلب من الاستخبارات الأميركية -في معتقله في جوانتنامو- أن يسمحوا له بتصميم مكنسة كهربائية، مبررا طلبه هذا بأنه يريد الاحتفاظ بقواه العقلية في حالة سليمة، ومستندا على أنه حاصل على شهادة عليا في علوم هندسة الميكانيكية من جامعة نورث كاورلينا الأميركية.
استحضرتُ هذه الحكاية وأنا أنوي كتابة مقالة بمناسبة العام الجديد عن تنظيف العقل من السلبيات والمعتقدات الخاطئة من خلال المراجعات الإيجابية الشخصية مطلع العام.
كان الأجدر بالمدعو «خالد شيخ» أن يقوم بإعمال عقله في تصميم «مكنسة» لتنظيف فكره الإرهابي الدموي الذي يعتنقه هو وغيره ممن اُبتلي بهم كوكب الأرض وسكانه، بدلا من طلب تصميم مكنسة كهربائية لإعمال ذهنه -كما يقول- وكنس أرضية زنزانته.!.
لحسن الحظ فإن من يريد تنظيف عقله وتجديد فكره لا يلزمه أن يكون مهندسا أو عالم تصاميم، بل يلزمه التصميم والقناعة بلزوم مراجعة الذات والتغيير الفعال.
تنظيف العقل ليس مقتصرا على الوسط الإرهابي أو بيئة التطرف والغلو، بل أزعم أن الجميع بحاجة إليه بشكل دوري إن لم يكن بشكل يومي. المعضلة هنا تكمن في أن كثيرا منا على قناعة بصحة قناعاته المتجذرة في عقله الباطن، والتي بدورها تدعم استمراره على أنماط سلوكية سلبية رضعها من صغره إلى أن عض عليها بالنواجذ في كبره.
تنظيف العقل لا يقتصر على بعض المعتقدات الدينية الخاطئة رغم أن -بعض تلك المعتقدات الخاطئة- هي المسؤول الأكبر عن سلوك الشخص وتوجيه بوصلة حماسه نحو الوجهة الخاطئة، كما يحدث عند بعض الغلاة، بل يلزم كذلك الطهارة من المعتقدات المجتمعية والفردية الخاطئة، من خلال عرض تلك المفاهيم على مراجعات جادة.
على سبيل المثال في الجانب الديني كنا نعتقد أن كل الأحكام الشرعية واحدة من حيث التحليل والتحريم، وأنه ليس هناك اختلاف في معنى النص القرآني أو النص النبوي، وأن المذاهب الأخرى -غير الحنبلي- هي مذاهب ضالة، بدليل أنهم يحللون سماع الأغاني وكشف وجه المرأة وغيرها من الأمور التي تثبت «ضلالتهم»، وأبلغ مثال -بحسب اعتقادنا الخاطئ- هو شيوخ بعض الدول الإسلامية «الضُلال» الذين يقصرون لحاهم ويطيلون ثيابهم، قبل أن نعلم أن هناك خلافات معتبرة، وأن المسألة أوسع من فكرنا الضيق.
كنا نعتقد أيضا بقدسية بعض الأشخاص -ممن له مكانة دينية- ولهذا يجب الإذعان والتسليم لما يقول دون نقاش، حتى علمنا أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا ما صح من جانب النبوة، رغم أن ما صح منها نزر يسير مقابل الضعيف والمكذوب.
وفي الجانب المجتمعي، هناك أفكار ومفاهيم خاطئة يصعب حصرها، منها التعصب بكل أشكاله في الرأي والقبيلة والمنطقة والبلد، غير أن المهم هو الجانب الفردي من حيث تصحيح بعض المفاهيم وردات الفعل السيئة، وإعتاق النفس من تبعاتها إذا أردنا النهوض بذواتنا.
من تلك المفاهيم السلبية، استحضار أخطاء الماضي ومواقف الناس وتصرفاتهم السلبية الماضية بطريقة تجعل من الصعوبة بمكان التعايش مع الآخرين، وغفران زلاتهم، وبالتالي نشوء الاحتقان المستمر والكراهية.
خُلقنا للنظر للأمام وخطواتنا تقودنا إلى الأمام، في إشارة ربانية جلية للمضي قُدما وإلقاء سلبيات الخلف وما فيه من سلبيات كما نلقي بالنفايات.
إن الأخطاء والمواقف السلبية هي أشبه ما تكون بالنفايات -أجلكم الله- التي يجب أن نتخلص منها بشكل يومي، هل شاهدتم أحدا يحمل نفايات فوق رأسه طوال حياته؟! هل شاهدتم أحدا يطلب من البلدية إعادة النفايات التي ألقاها سابقا؟ هكذا هو من يحمل سلبياته الشخصية وسلبيات غيره في ذهنه طوال العمر ولا يستطيع التخلص منها بإلقائها في نفايات الماضي ونسيانها تماما.
سنة سعيدة وإنجازات مميزة لجميع سكان الأرض.