التقليد أمر مكروه، أما الابتكار فمُمجّد. يتجلى هذا واضحا في كلام رجال السياسة وفي عدد لا يحصى من الاحتفالات التي تُمجِّد الابتكار ودوره في تنمية الاقتصاد.
الشركات مطالبة بأن تبتكر أو تنتظر الفناء. حتى في الأفلام يُصوّر المقلّدون على أنهم أشرار.
هذا في النظريات والأفلام، أما في العالم الحقيقي فالشركات تقلّد وتنجح. الآيبود لم يكن أول مشغّل للموسيقى الرقمية، وكذلك لم يكن الآيفون أول هاتف ذكي، ولا كان الآيباد أول جهاز لوحي. ما قامت به أبل هو تقليد منتجات الآخرين ثم تقديمها بطريقة أكثر جاذبية.
أي أن التقليد بشكله المشروع أصبح رائجا جدا في السنوات الأخيرة، يتوصل إلى هذه الخلاصة الكاتب أوديد شنكر البروفيسور في الإدارة في جامعة أوهايو الحكومية في كتابه المثير «المقلّدون: كيف تستخدم الشركات الذكية التقليد للتقدم إستراتيجيا للأمام».
بين شركات ألعاب الإنترنت الاجتماعية ينتشر النسخ والاتهامات به بشكل واسع، ويحكى أن أحد المديرين قال يوما لموظف لديه «لا أريدك أن تبتكر، فقط قلّد ما يفعلونه واستمر في ذلك حتى تحصل على ما يحصلون عليه من أرباح».
بهذا الأسلوب حقق الإخوة ألكساندر، وأوليفر، ومارك ساموير من ألمانيا ثروة هائلة من خلال تقليد ابتكارات شركات الإنترنت الأميركية ثم تقديمها في أسواق أخرى، مثيرين بذلك غضب أقطاب هذه الصناعة التي لطالما افتخرت بابتكاراتها. كان آخر ما قدمه الإخوة هو موقع بينزباير، وهو شبكة اجتماعية تماثل في التصميم والألوان والخصائص موقع بينترست الشهير آخر الصراعات في عالم الشبكات الاجتماعية.
يبدو أن التاريخ أيضا يقف إلى جانب المقلّدين ويعلّمنا أنهم في كثير من الأحيان هم من يفوزون في النهاية. من يتذكر الآن تشكس أول من أنتج فوطا للأطفال تستعمل لمرة واحدة، والتي قامت بامبرز بخطف بريقها؟ هذه مثال عرضه تيد ليفت، وهو من أوائل علماء الإدارة الذين اعترفوا بأهمية التقليد، وكان قد كتب في الستينيات أن النسخ ليس فقط أكثر انتشارا وشيوعا من الابتكار، لكنه أيضا طريق موثوق للنمو وتحقيق الربح. فالدراسات تظهر أنه في أسوأ الحالات يحقّق المنتَج الجديد للشركة المقلِّدة مثل ما يحققه للشركة المبتكرة، وفي بعض الحالات أفضل مما يحققه للشركة المبتكِرة، وهذا سببه أن المقلّدين لا يتحملون عبء تكاليف البحوث والتطوير، ولا يواجهون خطر الفشل، فهم يتعاملون مع سوق مجرَّبة تم اختبار المنتج عليها من قبل الشركة المبتكِرة.
وعلى الرغم من أهمية التقليد وانتشاره إلا أننا نادرا ما نرى الشركات تعترف بأنها «مقلّدة»، ولهذا أسباب عدة. منها أولا: أن المدير ينظر إلى وصفه «بالمقلّد» انتقاصا لذاته. وثانيا: قد يشكّل الاعتراف بالتقليد خطرا على الشركة من الناحية القانونية.
لكن حتى بوجود هذه المخاطر، لا يزال هناك مجال لا بأس به للتقليد بأمان، كما فعل جان بول جيلارد الرئيس التنفيذي السابق المسؤول عن ماركة نسبرسو، وهو نظام تحضير القهوة الذي ابتكرته شركة نستلة السويسرية العملاقة وحقق لها المليارات من الأرباح. فقد قرر جيلارد العودة إلى العمل بمشروع جديد يقوم على صنع كبسولات لماكينات النسبرسو، لينافس بذلك بذور النسبرسو التي تنتجها شركته القديمة نستلة، ومضى جان بول في مشروعه دون أن تستطيع نستلة عمل شيء لإيقافه. فالنسخ يكون أكثر أمانا عندما لا يقوم المقلِّد باستهداف زبائن المبتكِر. مثلا، عندما بدأت شركة الطيران ريان آير عملياتها مقلّدة نموذج عمل شركة ساوث ويست الأميركية للطيران المنخفض التكلفة، لم تبدِ الأخيرة أي اعتراض على هذا.
قلة هم أصحاب الشركات الذين يتجرؤون على الحديث عن التقييدات المرتبطة بالابتكار، ومن هؤلاء القلة كيفن رولينز الرئيس التنفيذي السابق لشركة ديل لصناعة الحواسيب الذي يتساءل: «إذا كان الابتكار سلاحا تنافسيا قويا لماذا إذاً لا يُترجم إلى ربحية». أما معظم أصحاب الأعمال فيظلون مهووسين بابتكاراتهم، التقليد لديهم محرّم، والموظف الذي يأخذ أفكارا من شركات أخرى لن يمدحه أحد، ولن يحصل على ترقية.
أسرة التحرير
* مجلة الإيكونومست، قسم شومبيتر