مشكلة الأخبار الكاذبة ليست جديدة، لكن دائرتها اتسعت مع ظهور وسائل التواصل. وما يحدث اليوم من انفجار للكذب والمعلومات المغلوطة، هو في الواقع انعكاس لحالة اليأس التي يعيشها عدد كبير من المستخدمين لتلك الوسائل، نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية حول العالم من جهة، وسيطرة العنصرية والقبلية وبعض العادات الاجتماعية على الجزء المتبقي من الأسباب من جهة أخرى. فقد بات معظم الناس يتلقّون أخبارهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستند إلى نموذج الأعمال التي تتناسب مع استغلال الأفراد الذين يمكن التلاعب بهم بسهولة، عبر التطبيقات الخوارزمية، لتحقيق الربح أو خدمة أغراض شخصية غير نزيهة.
ويقع كثير من المستخدمين في مصائد تلك البرامج الخوارزمية، مدفوعين بداء العظمة أو القوة أو حب الظهور، أو الغضب أو الفرح أو اللهفة الجنسية، وهي دوافع لا تعرف تلك الوسائل سوى إظهارها إلى السطح رويدا رويدا، دون أن يشعر المستخدم بذلك، فيصطدم الأخير فجأة بصورته التي رسمها بيده عبر الوقت المتتالي من استخدامه لتلك البرامج والمنصات.
ولأن غالبية الناس تجد صعوبة في تحديد ما الذي يستحق التركيز والاهتمام بشكل أكبر من غيره، فإن الميول في الغالب هي التي تنجح في الاستحواذ على الصور التي رسمها المستخدم ويراها الناس عنه.
وهنا، تكون أنت شخصيا من اعترفت بعوراتك ومساوئك، وكشفت عن ذاتك، سلبا كان أم إيجابا.
فالكَمّ الهائل من البيانات التي دوّنتها أنت بيديك، هو الدليل الأقوى الذي يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليله، وفق آليات شبكية تعمل عليها الخوارزميات، ومنها تحديد صداقاتك وأقاربك، والتنبؤ بشخصيتك وميولك.
لذلك، فأنت في وسائل التواصل الاجتماعي لست العنصر المسيطر -كما تظن- فكل ما تملكه في الواقع ليس أكثر من كلمات مرور ورابط صفحات وحسابات شخصية افتراضية، توهمك بأنك سيد الموقف، أما البيانات العميقة وتحليلاتها فهي ملك الطرف الأقوى الذي يقوم بتجميعها ووضعها على الطاولة الجماهيرية «كل الأعضاء»، وهو الطرف الذي يقدم لك الخدمة «المجانية»، ذلك الطعم المغري لكل المستخدمين حول العالم، والذي من خلاله تجني شركات الخوارزميات مكاسب مادية هائلة عبر الإعلانات، كلما ازداد عدد المشتركين وعدد المدونين، وبالطبع رصيد الأخبار الكاذبة.
فاحذر أن تكون فريسة هيّنة، تستعرض قوتك الكرتونية في المكان الافتراضي، الذي تظن فيه أنك متفوق وممسك بزمام الأمور.
لقد بات مصطلح الكذب الإلكتروني مصطلحا تحليليا، يحاول وصف كل تصريح يتم تداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي وخوارزمياتها، ويقف خلفه في العادة أفراد أو مؤسسات ضخمة، تقدم مصالحها الخاصة على المكاسب الأخلاقية أو الإنسانية، مبتعدة بذلك عن أخلاقيات المهنة واشتراطاتها الرئيسية التي نشأت من أجلها، والتي دخل ميدانها الإخباري كل صنوف البشر دون استثناء، ودون أية ترتيبات أو اشتراطات لمستويات الوعي أو المهنية.
اليوم، بظهور وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر سباق عنيف للكذب والأخبار الكاذبة بين عدد لا يستهان به من المؤسسات الإعلامية والأفراد. تفوّق الأفراد -بفارق كبير- على المؤسسات الإعلامية في بناء سلاسل من الكذب والإشاعات، في ظل إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي لكل الأفراد إمكان الدخول إلى عالم النشر وامتلاك المساحة الخاصة به لفعل ذلك، وتحوّل النشاط الإخباري والمشاركة الاجتماعية إلى غابة من الأكاذيب المضللة والافتراءات، وطلع علينا مليارات من المزيفين والمخادعين المخدوعين في كل بقعة من العالم!.