أمس الجمعة كان اليوم الأخير من العقد الأول للقرن الواحد والعشرين. مراكز الدراسات والبحث والرصد والإعلام العالمية تبارت في تقديم أهم الأحداث والشخصيات التي شهدها العقد في كل ميدان واتجاه وفن، حيث تجد أهم أحداث سياسية واقتصادية وفنية وإجرامية...إلخ، وهكذا أهم شخصيات. والرصد يشمل العالم ثم يتخصص في كل دولة على حدة، ثم يجري تضييق التخصص داخل كل دولة أو ولاية حتى يصل إلى درجة الطرائف والمفارقات والنكت ونحو ذلك. وهذه القوائم ليست وليدة اللحظة ولكنها قائمة على رصيد شهري ثم ربع سنوي ونصف سنوي و سنوي على طريقة ميزانيات البنوك والشركات المعروفة. وهذا الرصد يكون رصيدا تراكميا يتيح الفرصة للمقارنة والمفاضلة في نهاية العقد كما يحدث الآن وكما يحدث في نهاية كل عقد.

الأمر في بلاد العالم الثالث مختلف؛ فهي لا تملك مراكز رصد ولا تحليل، وإن ملكتها أبقت نتائجها محاطة بالسرية والتكتم لأسباب لا يعلمها إلا الله ثم الضالعون في سياسة هذه البلدان. ولا أريد أن أبحث في أسباب هذه الحال المتردية، فهي تكاد تكون معروفة، ولكني أود أن أشير الى أن هناك بلدانا في هذا العالم الثالث لديها ما تقوله وترصده، سواء على مستوى الأحداث والمنجزات أو على مستوى الظواهر والشخصيات، فلماذا لا يكون لديها مثل هذا الرصد التحليلي الذي يمكنها تقديمه في نهاية كل عام وبالتالي في نهاية كل عقد. والمسألة ليست صعبة ولا معقدة فآلياتها موجودة ومعروفة وإمكانية تطبيقها سهلة وميسورة. وإذا كان هناك وسائل إعلام في العالم المتقدم تقوم بهذه المهمة فلأنها قادرة أولا على الوصول إلى المعلومات وفق أنظمة معروفة، وهو ما يتيح لها إنشاء مراكز للبحث والرصد والتحليل بمصداقية عالية تستمدها أساسا من مصداقيتها في النشر اليومي أو الأسبوعي ونحوه.

وما دمنا اليوم السبت في أول يوم من العام الجديد والعقد الجديد ونتمتع بهامش جيد من الحرية التي أتاحها خادم الحرمين، فإنني أقترح أن نبدأ هذه الفكرة في بلادنا ابتداء من هذا العام وأن نضع لها نظاما يفرضها على الجميع دون استثناء، ولنربطها بميزانية الدولة السنوية وبالحركة الاقتصادية والظواهر الاجتماعية والثقافية التي تحدث طيلة العام، بحيث يكون لدينا في نهاية العام المالي جردة حساب تتضمن – مثلا – أهم عشرة مشاريع أنجزتها كل وزارة أو مؤسسة حكومية خلال العام ومن ثم يمكن استخلاص أهم أضخم أو أصغر عشرة منجزات على مستوى الدولة، وهكذا بالنسبة للبنوك والصفقات التجارية والشخصيات الاقتصادية، والظواهر الاجتماعية والثقافية، مثل الكتب والأبحاث والتوظيف والأغاني والجرائم والفتاوى والحوادث، وغيرها، ثم ما يقترن بذلك من شخصيات على مستوى الحكومة والمجتمع بمختلف فئاته، ومع تكرار ذلك سنويا لن نصل إلى نهاية العقد إلا ولدينا ما نقدمه عن أحداثه وشخصياته.

إن ما يحدث لدينا مما ترصده بعض وسائل الإعلام المحلية في نهاية كل عام لا يتجاوز كونه انطباعات انتقائية لا تستند إلى منهج علمي في الرصد والتحليل ولذلك لا يمكن الركون إليها.

إن لدينا ما يمكن أن نرصده ونقوله للعالم في نهاية كل عام وعقد وبطريقة منظمة وذات مصداقية موضوعية، فلماذا لا نفعل ونحن فيما أعتقد قادرون؟