على الرغم من الأزمة الأمنية في العراق، والتي دامت 15 عاما، وكان من شأنها أن تغرق معظم المجتمعات، تُسجل البلاد زيادات سنوية في إنتاج النفط، مما جعل قطاع الطاقة العراقي قصة نجاح عالمية.

وقد تستغل إيران وحلفاؤها الغاز والنفط العراقي، أو سيتم استخدامهما لمصلحة العراق، مما سيحوّل البلاد إلى مركز لتصدير الطاقة بين دول الخليج وتركيا وأوروبا. لدى الولايات المتحدة مصلحة إستراتيجية قوية في تعزيز الاحتمال الأخير.

أصبح العراق دولة قوية تحتل المركز الثاني في إنتاج النفط بـ«منظمة الدول المصدرة للنفط» «أوبك»، مقتربا من إنتاج 5 ملايين برميل يوميا العام الماضي، مع تصدير ما يقرب من 4 ملايين برميل.

وتخطط بغداد لإنشاء برنامج ضخم لضخ مياه البحر، بهدف زيادة الإنتاج أولا إلى 7 ملايين برميل يوميا، ولاحقا إلى 9 ملايين برميل.

وتجدر الإشارة إلى أن الهدف الأخير سيضع العراق على مستوى السعودية والولايات المتحدة وروسيا.

كما أن إمكانات العراق في إنتاج الغاز هائلة، إذ تهدر البلاد كمية قدرها 16 مليار متر مكعب سنويا من إحراق الغاز وحده، وسيكون المشروع المشترك بين شركتي «شل» و«ميتسوبيشي» والحكومة العراقية، أكبر جهد يبذل لتجميع الغاز في العالم، مما يوفر 2 مليار متر مكعب سنويا لتوليد الكهرباء التي تشتد الحاجة إليها.

إن العقبة الأكثر إلحاحا لهذه الخطط، هي صراع بغداد المستمر مع «حكومة إقليم كردستان» على النفط من شمال العراق.

وخصصت الميزانية الاتحادية حوالي 17% من عائدات النفط لـ«حكومة إقليم كردستان»، وعادةً لم تسمح «حكومة إقليم كردستان» لـ«شركة تسويق النفط العراقية» بتسويق نفطها، لذلك لم يتم دفع الإيرادات الاتحادية في كثير من الأحيان.

أما اليوم، فإن الميزانية العراقية الأخيرة لا تمنح الأكراد سوى ما يقرب من 12.5% من الدخل النفطي.

ومع هزيمة «داعش»، رأت الحكومة المركزية فرصتها، خاصة بعد الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبته «حكومة إقليم كردستان» في إجراء استفتاء حول الاستقلال، وسط ضغوط إقليمية كبيرة على الأكراد سحقت بغداد محاولة تحقيق استقلالهم، واستعادت كركوك.

عندما تنظر الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية إلى العراق، فإنها لا ترى فقط إمدادات طاقة مستقبلية، وسوقا ثريّا لصادراتها، بل ترى أيضا مكاسب جغرافية - إستراتيجية محتملة.

روسيا.. استثمرت شركة النفط الحكومية الرئيسية «روسنفت»، نحو 3 مليارات دولار في قطاع النفط والغاز في «إقليم كردستان».

تركيا.. ما زالت أنقرة تسمح لـ«حكومة إقليم كردستان» بتسويق نفطها الخاص «حوالي 300 ألف برميل يوميا» في جيهان، مدّعيةً أنها لا تستطيع تحويل هذا التدفق إلى «شركة تسويق النفط العراقية».

كما تريد أنقرة أن تتخلى بغداد عن «إجراءاتها» التحكيمية ضد تركيا على خلفية سماح هذه الأخيرة لـ«حكومة إقليم كردستان» بتصدير النفط عبر خط الأنابيب العراقي -التركي ذي الملكية المشتركة.

إيران.. تقوم بتصدير كميات كبيرة من الكهرباء والغاز إلى العراق بأسعار باهظة، وتسعى إلى تضييق قبضتها الخانقة على سوق توليد الطاقة في البلاد. كما تأمل في إنشاء خط أنابيب من كركوك إلى إيران، لإبعاد النفط الآتي من شمال العراق عن الطريق التقليدي الذي يُصدّر منه عادة عبر تركيا، مما يؤدي في النهاية إلى تسليم الخام الإيراني عبر موانئ الخليج، بدلا من تكرير النفط الخام العراقي.

كما أن الرهانات الجغرافية - الإستراتيجية الأكبر مهمة هي الأخرى أيضا.

فإذا قررت الحكومة -ذات الغالبية الشيعية في بغداد- تفضيل طريق التصدير الذي يمر عبر إيران الشيعية بدلا من المناطق الكردية أو العربية السنية في العراق، فعندئذ ستضع نفسها بقوة في معسكر المنبوذين الإقليميين في طهران، وتُصنِّف أساساً 40% من سكانها كأشخاص غير جديرين بالثقة، ومن الدرجة الثانية.

وبالمثل، سيكون اختيارها لإيران بدلا من تركيا، بمثابة ضربة قوية لهيبة أنقرة، نظرا لقوتها الاقتصادية والتزامها بإعادة إعمار العراق.

في ظل هذه الظروف، تُعدّ الوساطة الدولية بقيادة الولايات المتحدة ضرورية لتجنب تحقيق إيران فوزا آخر.


جيمس إف. جيفري

مايكل نايتس

 المصدر:

 * السفير الأميركي السابق في العراق وتركيا

* زميل «ليفر» في معهد واشنطن للطاقة

* الأوبزيرفر