شهد عام 2010 العديد من الأحداث السياسية، وهو في مجمله يمثل استمراراً لموجة الحركية السياسية التي يشهدها العالم في هذا العقد مقارنة بالعقد الماضي إبان سنوات التسعينات، فالمسرح العالمي اليوم بات فيه عدد أكبر من اللاعبين الذين يتنافسون في إبراز أنفسهم والاستئثار بأدوار البطولة، ولذلك أصبحت عملية متابعة التطورات الحادثة على الصعيد السياسي ومحاولة استخلاص رؤية تعطي معنى لكل ما يجري أمراً في غاية الإرهاق، على أنه يمكن النظر للأحداث من منطلق التوجهات العامة، وهذا المنطلق التحليلي يضع تركيزه على خلفية المشهد، ينظر للديكور الثابت للمسرح الذي يتحرك عليه اللاعبون باختلافهم، ديكور المسرح هذا هو ما يرسم المشهد ويضع اللاعبين ضمن إطار المشهد، ولذلك فإن تغير المشاهد أو الفصول يتطلب بالتبعية أن يتغير الديكور الخلفي للمسرح.

ثلاثة توجهات رئيسية شهدها العام المنصرم على خلفية مسرح أحداث المنطقة، الأولى، التزايد البطيء للتلاعب الإسرائيلي بالقضية الفلسطينية، بدءاً من التسويف الذي شهدته المفاوضات في بدايات العام وانتهاء بإدخالها ثلاجة الموتى مع نهاية العام دون الإعلان عن الوفاة، وبصعود الجمهوريين في الكونجرس الأميركي تدخل عملية السلام في نفق مظلم آخر في ظل فشل إدارة أوباما في تحقيق اختراق وتحول تركيزها الآن نحو الفوز بولاية ثانية، على مدى العام الماضي كانت إسرائيل هي المحدد الرئيس لرد الفعل والقرار العربي فيما يخص القضية الفلسطينية وهو ما برز من خلال تحديد مصير المفاوضات تبعاً لقرار تجميد الاستيطان الإسرائيلي دون أن تكون هناك على الساحة مبادرة سياسية عربية تغير من مقاربة الموقف سوى اعتراف عدد من دول أميركا الجنوبية بالدولة الفلسطينية، وهو أمر – رغم أهميته العاطفية في المقام الأول – يظل هامشياً في تحديد مصير القضية.

ثانياً، شهد العام الماضي استمراراً لأزمة البيت العربي الداخلي، وهي النابعة في المقام الأول من التخلف العربي عن اللحاق بأسباب التطور السياسي الحقيقي، على عكس دول الأطراف كتركيا مثلاً، فالحالة اليمنية تعد المثال الصارخ على تأرجح الدولة على حبل الإخفاق في ظل تصاعد دور القاعدة وانحسار دور الدولة المركزية، من جهة أخرى أصبح السودان على مرمى حجر من انفصال الجنوب، وما يزال العراق رغم الخروج من عنق زجاجة نتائج الانتخابات أسير التفاعل الإيراني مع المشهد العالمي، مثله في ذلك مثل لبنان الذي تتأرجح جبهته الداخلية، السعودية لا تملك قدرة العمل منفردة وفي ظل انشغال مصر في فترتها الانتقالية الحالية بسبب الانتخابات البرلمانية التي شهدها العام الماضي والانتخابات الرئاسية التي يشهدها هذا العام وانشغال سورية بتثبيت وضعها الإقليمي المتأرجح بين تحالفها مع إيران وتحالفها مع تركيا وهما نقيضان يجر كل منهما العربة في اتجاه مضاد، كل هذا ساعد على أن يستمر العرب في تمرير الكرة في منتصف الملعب (بحسب التعبير الكروي الشهير).

ثالثاً، ما تزال الخلفية العامة هي تصاعد دول الأطراف (تركيا – إيران – إسرائيل) على حساب بعض دول المركز (مصر – سوريا – العراق) مما يوهم المراقب أن محددات السياسة الإقليمية تنطلق من دول الأطراف، بينما انحسرت دول المركز في التعامل مع محددات السياسة التي تنشأ من دول الأطراف في دور المتفاعل لا الفاعل للسياسة الإقليمية.

تركيا من جهتها باتت وسيطاً في الملف الإيراني، وشريكاً مع المملكة في حل الأزمة اللبنانية من خلال سورية، ولاعباً أمام إيران في العراق، حتى على صعيد أفغانستان باتت تركيا وسيطاً بين الأفغان والباكستانيين.

من جهتها أيضاً تملك إيران مفاتيح لعب في العراق ولبنان وهي تضع ملفها النووي ومركزها الإقليمي في قلب سياستها سواء كان ذلك عن طريق التفاعل مع إسرائيل من خلال حماس أو مع الولايات المتحدة في عدة مناطق بما فيها أفغانستان.

العقد الماضي شهد العديد من الأحداث المفصلية التي كان لها أبلغ التأثير على منطقتنا، أحداث 11 سبتمبر وتبعاتها، والحرب على العراق، وصعود موجة الإرهاب، وأحداث الحرب على لبنان وغزة.

كل ذلك وضع العرب أمام استحقاقات وتحديات الواحدة تلو الأخرى، وإذا كانت الدول العربية أثبتت خلال العام المنصرم قدرتها على توفير الحد الأدنى من متطلبات الاستمرارية السياسية فإن العام الماضي أثبت أيضاً فشل النظام العربي الإقليمي بصيغته التي كانت، فالمقاربة العربية للقضية الفلسطينية فشلت حد الوصول إلى إعلان الرئيس الفلسطيني إمكانية حل السلطة الوطنية، وأزمات وحلول البيت العربي الداخلي باتت تحدد من قبل أنقرة وطهران وليس من قبل العواصم العربية.

في بعض الأحيان لا يتطلب تسجيل الهدف كثرة الجري من اللاعب جيئة وذهاباً على امتداد الملعب بقدر ما يتطلب أن يتمركز في المكان الصحيح في الوقت الصحيح، أن يملأ الفراغ المناسب، وهذا الأمر يتطلب فكراً ورؤية استراتيجية بعيدة المدى.

لم يشهد العام المنصرم تمركزاً عربياً صحيحاً رغم كثرة الجري في الملعب، ولم نسجل نقطة لأننا تمركزنا في الفراغات البعيدة عن الكرة.