التطور في مفاهيم الإدارة لا ينتهي، وذلك لأن هذا العلم ينبع من الإنسان مرورا بالإنسان وانتهاء بالإنسان، ولأن الإنسان بطبيعته ينزع نحو التطور والانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، فإن هذه العلوم تأتي مكملة لاحتياجات هذا التطور المستمر واللامتناهي.

ومن المداخل الكبيرة في علم الإدارة العامة الحديثة ما اصطلح على تسميته بـ(إعادة اختراع الحكومة)، وهو مدخل جديد ينظر إلى ضرورة حصول الإصلاحات الإدارية والتغييرات الجذرية في النظام الإداري من رأس الهرم في الدولة، بحيث إن التغييرات التي تحدث في أساليب أجهزة الإدارة العامة المتنوعة، تأتي كنتيجة حتمية للتغييرات الكبرى في السياسة العامة ونظام الحكم المتبع في الدولة.

يرى بعض علماء الإدارة أن إعادة اختراع الحكومة يحدث من أجل هدفين: إما لزيادة تقوية الدور الحكومي الإصلاحي في أجهزة الدولة، أو لتقليص الأعمال الحكومية ليحل مكانها قطاع الأعمال من أجل رفع كفاءة التشغيل والتخلص من الإشكالات المصاحبة لترهل القطاع العام، أو لكليهما.

بالمعنى البسيط، يهدف المفهوم إلى إعادة تموضع وترشيق التنظيم الحكومي العام، وذلك بتسليم كثير من الخدمات التي يقدمها لنظام الأعمال ونظام القطاع غير الربحي، مع احتفاظه بسياسة الإشراف العام للنظامين، بشكل ديناميكي ومتجدد. ومن أجل ذلك فقد أطلق على العمل بهذا المفهوم بـ«أسلوب الحكم الجيد».

عندما تنظر في الإدارة السعودية الجديدة فإنك ترى مشاهد واضحة جدا لتفعيل هذا المفهوم، رغبة في الانطلاق به إلى آفاق أرحب.

فلسفة برامج رؤية المملكة والتي أُنتج منها إلى هذه اللحظة 7 برامج، كلها تقوم على الأسلوبين الخاصين بمنهجية إعادة اختراع الحكومة.

الأول: أسلوب العلاج الجزئي، والذي يعتمد على مدخلين أساسيين (تسريع التغيير الثقافي مع تجنب سلبياته، والاستثمار في المورد البشري).

والثاني: أسلوب العلاج الكلي (تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد الكلي حسب الاستطاعة، والعمل على تشجيع أعمال منظمات القطاع الثالث، وتوسيع مشاركة الأفراد في الأعمال التنظيمية).

حاول أن تلاحظ الأعمال التي تعمل عليها الحكومة السعودية حاليا، سترى أننا في ورشة كبيرة لإعادة اختراع كاملة لأعمال الحكومة، وفي الأيام الماضية كانت هناك -بوجهة نظري- ثلاث فعاليات ضخمة تدل على هذا التوجه.

الأول: افتتاح مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك)، والتي تهدف إلى جذب استثمارات لقطاع الأعمال الخاص بسلسلة الإمداد المساند لقطاع الطاقة السعودي.

الثاني: افتتاح مشروع وعد الشمال المختص بقطاع التعدين، والذي ستصبح المملكة بعد الانتهاء منه ثاني أكبر منتج للأسمدة الفوسفاتية في العالم.

الثالث: في إحدى جلسات مجلس الوزراء الماضية تمت الموافقة على تولي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإشراف على نشاطي مراكز ضيافة الأطفال الأهلية، كما وافق على إنشاء مراكز ضيافة أهلية لكبار السن.

أخيرا وليس آخرا، لا تنسى عزيزي القارئ برنامج الحكومة لتطوير حي الطريف التاريخي، وفورمولا الدرعية، وصواريخ مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ونيوم والبحر الأحمر والقدية ووو... الخ، من المشاريع الحيوية المذهلة.