يخلّد الأوائل دائما أسماءهم في التاريخ، لأنهم يجتازون عقبات لم يجتزها أحد قبلهم، ويقطعون مسافات لم يقطعها إنسان قبلهم، ويتحملون مخاطر مجتمعية وصحية وعملية في سبيل تحقيق أحلامهم، وتظهر أمامهم عراقيل، لكنهم يفتحون الطريق لكل من يأتي بعدهم، لذلك استحقوا التخليد.

من هؤلاء الأوائل، الأميركية ماي كارول جيميسون، المولودة في أكتوبر من عام 1956، والتي حققت إنجازا مهما، باعتبارها أول سيدة أميركية من أصل إفريقي تسافر إلى الفضاء.

ولدت ماي في ولاية ألاباما، كان والدها يعمل في منظمة خيرية، ووالداتها كانت مدرسة للغة الإنجليزية والرياضيات. وهي عمرها 3 سنوات، بدأت تظهر عليها ملامح النبوغ المبكر. وفي المدرسة الابتدائية تعرفت على ملامح العلوم الأساسية، وحين سألها أستاذها عن الوظيفة التي تتمني أن تشغلها في المستقبل قالت: عالمة.

بعد أن أنهت المدرسة الابتدائية، بدأت مثل أي طفل في عمرها تنظر إلى السماء والنجوم، واختلف حلمها، خصوصا مع السباق الفضائي المحموم الدائر في ذلك الوقت بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، فقررت أن تصبح «رائدة فضاء».

في طفولتها سمعت «ماي» خطابا لمارتن لوثر كينج يقول فيه إن الأحلام ملك لأصحابها، وإن الخيال ليس بعيد المنال، بل دعوة للعمل آمنت «ماي» بتلك العبارة، وبدأت تفكر أن أحلامها وخيالها يمكن أن يتحولا إلى حقيقة لو عملت بشكل صحيح.

في سن الحادية عشرة تحول حلمها للمرة الثالثة، بعد أن رأت واحدة من جارتها ترقص في حفل، وقتها بدأت «جيميسون» تتعلم الرقص، كل أنواع الرقص مثل الرقص الإفريقي والباليه والجاز والرقص الياباني، وفي سن الـ14 عاما تم اختيارها للتمثيل في مسرحية، وقتها قررت أنها ستصبح راقصة محترفة.

بعد سنتين تخرجت «ماي» من مدرستها الثانوية، ودخلت جامعة «ستانفورد». نسيت الرقص، وبدأت تدرس الهندسة والكيمياء، لون بشرتها كان يسبب لها مشكلات، تقول ماي إن الأساتذة كان يتظاهرون أنها ليست موجودة، وإن بعضهم كان يتعمد وصف أسئلتها بالغباء، إلا أنها قررت الاستمرار وحصلت على درجة جامعية في الهندسة الكيميائية.

انتقلت «ماي» بعد ذلك لدراسة الطب في جامعة كورنيل، وبدأت تعود للرقص من جديد، قامت ببناء أستوديو للرقص داخل بيتها، وبعد أن حصلت على درجة الماجستير نسيت الرقص، وانضمت لفيلق السلام وقررت السفر لمساعدة المرضى في ليبيريا وسيراليون.

سنة 1983 نشرت وسائل الإعلام خبر التحاق الأميركية «سالي رايد» بوكالة ناسا كرائدة فضاء، وقتها عاد لـ«ماي» حلمها القديم، وقررت التقدم للالتحاق ببرنامج رواد الفضاء التابع لناسا.

سنة 1992 وفي بعثة تعاونية بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان، صعدت «ماي» على متن مكوك فضاء، وقضت 8 أيام كاملة في منطقة انعدام الوزن، للمشاركة في أبحاث عن خلايا العظام.

بعد سنة واحدة من رحلتها للفضاء استقالت «ماي» من وكالة ناسا، وقررت دراسة تفاعل العلوم الاجتماعية مع التقنيات، ودعم طلاب الأقليات في مجال العلوم، بعدها أسست شركة خاصة لتطوير العلوم، وبدأت في كتابة مجموعة من الكتب للأطفال.

«ماي» تقول إنها أول ما وصلت الفضاء وقعت عيناها على مسقط رأسها، وتذكرت أحلامها، وسمعت صوت مارتن لوثر كينج وهو يقول: الخيال ليس بعيد المنال.



* مجلة ساينتيفيك أميركان


داليا عبدالسلام