عندما انطلقت رؤية المملكة العربية السعودية، كانت تحدّيا وحلما يراه البعض صعبا، بينما يستسهله ذوو الإرادة والعزيمة.
وتساءل كثيرون: كيف يمكن قياس نجاح الرؤية وأهدافها ومبادراتها؟
وكانت الإجابة في جملة من 3 كلمات، أطلقها عرّاب الرؤية ورائدها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله- عندما قال: «دعوا الأرقام تتحدث».
كنا نرى الآلاف من الوظائف التي يشغلها الوافدون، ونرى المليارات من الريالات وهي تحول خارج البلد، وكنا نتساءل: هل سيأتي يوم ونرى بنات وشباب الوطن يشغلون هذه الوظائف؟
الأسبوع الماضي، كانت إجابة عملية في منطقة جازان لهذا السؤال، فقد تم توطين المئات من الوظائف التي كانت حكرا على الوافدين دون غيرهم. فالأسواق والمولات ومعارض السيارات ومحلات بيع الأجهزة الإلكترونية والفنادق ومحلات الذهب، أصبحت سعودية الهوية، وما زالت مهن أخرى تدر ذهبا تنتظر السعودة التي هي قادمة لا محالة.
وتقع على جامعاتنا ومعاهدنا مسؤولية إعداد جيل قادر على شغل كل الوظائف الصحية والهندسية والحرفية، دون أن تتأثر جودة المخرجات لهذه الوظائف. وكذلك على الثقافة العامة التي أورثت أن الشاب السعودي لا يستفاد منه إلا في وظيفة حكومية يجني منها راتبا مقطوعا، أن تتغير وتثبت أن البدائل الأخرى لا تقل فضلا عن تلك الوظيفة، إن لم تكن أكثر دخلا.
هناك قصة جميلة تدور أحداثها عن أحد ملوك الهند القدماء، وكان لديه صقران: أحدهما كان يحلق في السماء، بينما الآخر لا يفارق غصن الشجرة الذي يقف عليه. أحضر الملك مجموعة من الأطباء لينظروا في حال الصقر، فلم يجدوا حلا يجعله يترك غصن الشجرة ويطير. خطرت ببال الملك فكرة، وهي أن يستعين بمدرب صقور، قد ألف حياتها وعرف أسرارها.
وفي اليوم التالي، جاء الملك ليجد ذلك الصقر محلقا في السماء، فابتهج بذلك وسأل المدرب: كيف جعلته يطير؟ فأجاب المدرب بكل ثقة: لقد كان الأمر يسيرا، فقد قطعت الغصن الذي يقف عليه!.
يقول الدكتور خالد الحليبي، بعد استشهاده بهذه القصة، كم من شبابنا يقف على غصن الوظيفة، يتقاضى منها راتبه دون إظهار لتلك الطاقة الكامنة التي يمتلكها، فتلك الطاقة أعاقها حبه لذلك الغصن الوظيفي، وعدم رغبته في التغيير، وخوفه من المبادرة لما هو أفضل، ومحاولة رفع كفاءته وتأهيله.
وأخيرا، إن عملية التوطين مهمة جدا، وأبناء الوطن هم الأمل -بعد الله- في نهضة البلد، وتقع عليهم مسؤولية وضع المملكة في مصاف الدول الأكثر كفاءة على مستوى العالم. وكي يتحقق ذلك، لا بد من الاستثمار الجيد لعملية التوطين. فالموظف السعودي عليه أن يحصل على الوظيفة، لأنه الأفضل والأميز في أداء المهمة.
ومن أجل ذلك، نحتاج إلى عملية استثمار حقيقي في شبابنا، حتى يصبح مستوى المتخرج في هذه المؤسسات أفضل من مستوى الوافدين من خارج المملكة.
بل نريد أن نصل إلى مرحلة أن يكون السعودي مطلوبا ومرغوبا داخل وخارج الوطن، عطفا على كفاءته وخبرته وأدائه المميز.