تمتلك جامعة الملك سعود أقدم مركز ترجمة في المملكة، ويحمل مسمى (مركز الترجمة والتأليف والنشر)، ويهدف هذا المركز إلى تشجيع أعضاء هيئة التدريس على ترجمة الكتب والمراجع والأبحاث العلمية المتخصصة، وتشجيع حركة التعريب ووضع المصطلحات العلمية والتنسيق بين المراكز والجهات المعنية بالترجمة والتعريب داخل وخارج المملكة، في سبيل توحيد المصطلحات العلمية في الدول العربية.
فنظام التعليم العالي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الواجب استخدامها في التعليم الجامعي، وهذا النظام الصريح يعد طبيعيا ومنطقيا، فلا يوجد علم يدرس بلغة أجنبية كما يقول الدكتور رشدي راشد في أحد لقاءاته التلفزيونية، فلا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ويتحضر إلا بلغته، ومن ثم لن ينهض العرب إلا بواسطة لغتهم.
ومن المسلمات في مجال التعليم والتربية القول بأن أي جامعة تقوم بتدريس طلابها بلغة أجنبية هي جامعة تسير في الطريق الخاطئ، واعتماد اللغة الأم في التدريس يعتبر خطوة لتصحيح مسار التعليم، لأنه سيؤدي إلى تخفيف التبعية العلمية السائدة للدول الغربية، وبالتالي ستكون أهم ثمار هذه الخطوة هي توطين المعرفة العلمية والتقنية الحديثة وتطويرها محليا وعربيا، فضلا عن أن هذه الخطوة ستسهم في إثراء المكتبة العربية من خلال ترجمة وتأليف الكتب والمراجع العلمية باللغة العربية.
ولا يوجد أي مبرر لاستمرار الاعتماد في تدريس المقررات باللغة الإنجليزية مع إمكانية ترجمة هذه المقررات، وذلك لتوافر عضو هيئة التدريس الناطق باللغة العربية، ومع وجود مركز للترجمة في قلب جامعة الملك سعود، واستمرار التدريس باللغة الإنجليزية في كليات الهندسة والطب يعتبر تفضيلا للطريق الأسهل، ويؤكد أن التنسيق بين مركز الترجمة وبين الكليات العلمية يكاد يكون معدوما، ويؤكد أن مركز الترجمة مركز كسول غير فعال.
تكاد تكون دولة اليابان أفضل نموذج في العالم في قضية الترجمة، حيث تترجم الأبحاث العلمية والمراجع العلمية إلى اللغة اليابانية بعد فترة وجيزة من صدورها ونشرها، فلم تنعزل اليابان عن التقدم العلمي الذي يجري في العالم، فيجب أن نضع نموذج اليابان نصب أعيننا، فهو النموذج الذي يجب أن نحتذي به، كذلك في الجامعات الصينية لا تدرس بغير اللغة الصينية، وكذلك بالنسبة للجامعات الفرنسية أو الروسية أو اليونانية أو الإيطالية أو غيرها، كل جامعة تدرس بلغة البلد الذي تنتمي إليه، سواء أكان البلد صغيرا أم كبيرا، فحتى اللغة التركية التي تعتبر أقل من العربية حضارة وتراثا، ومع ذلك فهي لغة العلم والتعليم في الجامعات التركية.
كانت كلية العلوم في جامعة الملك سعود تدرس جميع مقرراتها باللغة العربية، وكانت العربية هي اللغة الوحيدة في أقسام الفيزياء والكيمياء والرياضيات لكلا الجنسين، الطلاب والطالبات، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت تتسرب اللغة الإنجليزية لبعض المقررات التي تدرس في الكلية لأسباب غير معروفة، ففي أقسام البنات أصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الدارجة في التعليم، وهذا التضارب بين الأقسام يتنافى مع أبسط أسس الجودة التعليمية، ويعكس حالة فقدان الرؤية في مسألة مهمة وهي مسألة لغة التدريس، مما يعني أن هذه المسألة المصيرية صارت ترضخ للأعراف الأكاديمية، ولا يوجد لها نظام محدد مسبقا.
فلا شك أن تسرب اللغة الإنجليزية لمقررات التعليم في كلية العلوم يعتبر خطوة إلى الوراء، وبدلا من التصحيح أصبحنا نتوغل أكثر وأكثر في الطريق الخطأ، مما يعني أن حلم التعريب ذهب أدراج الرياح، وأن الشكوى ستظل مستدامة والأمور ستظل معلقة بين الإنجليزية والعربية، حتى يأتي قرار رسمي صارم من الجهات المختصة لتعريب التعليم الجامعي يفصل في هذه القضية، ويضع الأمور في نصابها الصحيح.
إن التعريب ليس أمرا ضروريا فحسب، بل هو أمر حتمي، وجامعة الملك سعود تعد أكبر وأهم وأعرق جامعة سعودية، فيجب أن تبادر بهذه الثورة الثقافية والفكرية المهمة وتصدرها لبقية الجامعات، لتساعد في نشوء أجيال ترتبط بأمتها وبلغتها ولا تتوجه إلى الثقافة الأجنبية، وفي ذلك تعزيز لطاقاتها الإبداعية وحماية لأبنائها من التبعية. فقد أدرك العلماء العقلاء في العالم أهمية التعليم بلغاتهم الأم، في نهضتهم وفي تقدمهم العلمي، فسارعوا إلى فرض لغاتهم -بلا تريث أو تكاسل- في معاهدهم وجامعاتهم، فلماذا لا تزال هذه القضية لدينا موضع أخذ ورد.
إن ثمار الجامعة في مجال البحث العلمي والمؤلفات والكتب ورصد الظواهر العلمية، يجب ألا تخلد إلا باللغة الأم، لتكون سجلا خالدا لها تنتفع به الأجيال اللاحقة، لا أن تكون ثمارها وجهود أساتذتها تفرغ في لغة أجنبية وتصدر للخارج كأية سلعة رخيصة، مما يعني أن أي تقصير في اللغة الأم هو ركود في العلم، وتقصير مشين في الحضارة.