وبيان ذلك أن الأموال التي جُهل أصحابها، ولم يمكن التوصل إليهم، فإنه يُتصدَّق بها عنهم، والمفقود إذا انتُظِرَت المدة المقدرة باجتهاد القاضي، ومضت ولم يُوقَف له على خبر، قُسم ماله بين ورثته الموجودين وقت حكم القاضي بموته، ومن كان بيده ودائع ورهون أو أمانات جُهل أصحابها، وأُيس من معرفتهم، فإن شاء دفعها لبيت المال لتُصرَف في المصالح النافعة، وإن شاء تصدق بها عن صاحبها ينوي أنه إذا جاء صاحبها خيَّره بين أن يجيز تصرفه ويكون له الثواب كما نواه المتصدق، أو يُضمنها إياه، ويعود أجر الثواب لمن باشر الصدقة، ومن مات وليس له وارث معلوم، فميراثه لبيت المال، يُصرَف في المصالح النافعة، هكذا قال الشيخ السعدي رحمه الله، لكني سمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله أثناء شرحه لكتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، يقول: إن المال في هذه الحالة إذا لم يُوجَد ورثة، فإنه يُعطَى لذوي الرحم، وإن لم يكونوا ورثة، ولا يُعطَى بيت المال في هذه الحالة.

 وقول (من سبق إلى مباح فهو أولى به) يعني: أن كل أمرٍ مباح ليس له مالك، ولا هو من الاختصاصات، فهو لمن سبق إليه، لحديث (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) رواه أبو داود، وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أعمر أرضا ليست لأحد، فهو أحق.

 قال العلماء؛ لكن لو أقطعه الإمام مواتا فتحجّره ولم يحيه، فإنه يُقال له إما تعمرها، أو ترفع يدك عنها.

 ويدخل في السبق، السبق إلى الجلوس في المساجد والأسواق ونحوهما، وكذلك من سبق إلى التقاط اللقطة بعد تعريفها، ومن سبق إلى الجعالات، التي يقول صاحبها: من وجد كذا، فقد جعلت له من المال كذا، فكل من سبق ووجد المطلوب فهو المستحق لما جُعل له.

 وأما الاختصاصات فلا يملكها، وهاهنا مسألة مهمة: وهي أن بعض الناس يقول أحييت أرضا ميتة ليست لأحد، ولم أمنح صكا شرعيا يثبت تملكها، بسبب أن إحياءها بعد عام 1387 للهجرة، مع أن الحديث (من أحيا أرضا ميتة فهي له) ولم يقيده بتاريخ معين؟

 فيقال: الأرض مختصة للدولة، وولي الأمر لم يُوافق على منحها لمن لم يحييها قبل ذلك التاريخ، فمن البدهي ألا تملكها.

 وكنت قديما سمعت شيخنا ابن عثيمين يورد مثل هذا الإيراد ويجيب عنه، فقال: (لو أن ولي الأمر قال لا يحيي أحد أرضا إلا بإذني وموافقتي، فهل يملك المحيي بعد ذلك أرضا قام بإحيائه لها بدون موافقة ولي الأمر؟

 والجواب: لا، لأن المسألة انتقلت من كونها داخلة في العموم إلى تخصيص من ولي الأمر، وقد قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فإذا قال ولي الأمر: لا أحد يحيي إلا بإذني، وترخيص مني، فمن أحيا بعد أن بلغه هذا القول، فإنها تُنزَع منه، ولا حق له فيها، وذلك لأن ولي الأمر أمر بهذا، لكن إذا كان أحياها قبل صدور الأمر فهي له، لأن الذي يظهر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) أنه تشريع، وفي وقتنا الحاضر: فإن تقييد الإحياء بإذن الإمام أمرٌ لا بد منه، يدخل في أقسام الضرورة، وتجب طاعة ولي الأمر في ذلك، لأن طاعته في غير معصية الله واجبة، وتنظيم الأراضي، وكون الناس لا يُعطَون إلا بترخيص، وحدود مضبوطة، ليس من معصية الله، بل هو من حفظ حقوق العباد).