يحتفل المجتمع هذه الأيام باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق 10 ديسمبر من كل عام. وهو اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في عام 1948 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي هذا العام، ينظم يوم حقوق الإنسان حملة تستمر عاما كاملا للاحتفال بالذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي الوثيقة الإنسانية الأكثر أهمية في تاريخ البشرية، أعلنت فيه حقوقا غير قابلة للتصرف، حيث يحق لكل شخص أن يتمتع بها كإنسان بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو أي وضع آخر. السؤال: هل ولد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كوثيقة سياسية من منظور ثقافي أم سياسي؟ إذا قلنا إنه ولد من منظور سياسي ويمثل أجندة الدول الكبرى فهو أمر مجاف للحقيقة، والدليل أن هذه الدول بذلت جهوداً مضنية لمنع صدوره، العنصرية كانت حينها متفشية في أميركا في 1948، واستمرت لأواخر الستينيات، وكذلك بريطانيا وفرنسا كانتا مستعمرتين نصف العالم، هذه الدول وإن لم تنجح في إجهاض مشروع الإعلان العالمي، إلا أنها أصرت أن يكون إعلاناً لا اتفاقية. فالإعلان وإن كان وثيقة قيمية إلا أنه لا يعد وثيقة قانونية ملزمة للدول الأطراف، والتي يعبر عنها قانونيا بالاتفاقية، ولكن استطاعت هذه الدول رغما عنها أن تتجاوب سياسيا مع الإعلان، اعتقادا منهم أنه أمر وقتي لمعالجة تداعيات الحرب الثانية التي راح ضحيتها أكثر من 70 مليون إنسان إذ كان الوضع حينها يتطلب الحديث عن الجانب الإنساني، ولكن الظروف اتجهت في منحى آخر، ففي عام 1966 ولدت العهود الدولية من رحم هذا الإعلان، وهما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهي مواثيق ملزمة للدول الأطراف، السؤال: كيف حصل ذلك مع استنكاف الدول الكبرى الجواب: هو في التحول الثقافي والمعرفي بمسألة حقوق الإنسان، حيث أصبحت الجامعات تدرس حقوق الإنسان، وهناك مراكز بحثية اهتمت بالشأن الإنساني، ومؤسسات المجتمع المدني والمدارس، وهنا صار هناك تغير في الثقافات والرأي العام العالمي بالتعامل مع هذه القضايا، حتى تحولت هذه القيم إلى قناعات لدى أغلب الناس بأن حقوق الإنسان توفر لهم ضمانات مهمة، حتى لا يقع عليهم ما يقع على غيرهم من انتهاكات. إذن الإعلان العالمي الذي صدر في 1948 ولد من منظور ثقافي، فالذين شاركوا في صياغته مفكرون وفلاسفة لمدة ثلاث سنوات متتالية 1946و1947و 1948 على رأسهم العربي اللبناني «شارل مالك»، الذي شغل منصب رئيس اللجنة الثالثة للجمعية العمومية، ولعب دورا حاسما في وضع نص هذا الإعلان. الديبلوماسي «شارل مالك» كان مفكرا وفيلسوفا ومولعا بالفيزياء والرياضيات وعاشقا للفلسفة، ويعد بين الأقوياء، تصدى للمندوب السوفيتي والبريطاني اللذين كانا يعملان لمنع الإعلان، وكان يجادل تشانغ الصيني الكونفوسوشي بحجج فكرية وفلسفية عن أصالة الفرد وأصالة المجتمع، إذ كان يرى حرية الفرد وعدم تذويبها بالجماعة. أخيرا أقول: سمعنا عن توجه جديد في مناهج التعليم العام في المملكة لإدراج مادتي «الفلسفة» و«القانون»، وهو توجه مفيد يسير في اتجاه التحول الثقافي في السعودية.