تعيش بلادنا هذه الأيام ذكرى عزيزة وغالية على نفوس جميع أبنائها، هي الذكرى الرابعة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملكا للمملكة العربية السعودية. تلك الذكرى التي تعيد التأكيد لهم على الماضي التليد والحاضر الزاهر والمستقبل المشرق لهذه البلاد، وتبعث في نفوسهم الأمل، وتضخ في دواخلهم كافة معاني الفخر والانتماء لهذه البلاد التي حباها الله - دون سواها - بمزايا استثنائية لم تتوفر لغيرها من الدول، فهي حاضنة حرميه الشريفين، وأرض الرسالة الإسلامية التي تهفو لها قلوب مليار ونصف المليار مسلم في مختلف أصقاع الأرض، تهفو نفوسهم لرؤيتها، وتداعب أحلام زيارتها قلوبهم، كيف لا وهي منبع النور الذي ملأ الدنيا وعمّ الكون؟

 تستمد هذه المناسبة الغالية أهميتها من كونها فرصة عظيمة يحرص السعوديون على انتهازها للتعبير عما في قلوبهم من حب صادق، وود عميق، ووفاء راسخ لقيادتهم الرشيدة التي لم تدخر جهدا في سبيل إسعادهم إلا بذلته، ولم تترك بابا يؤدي إلى ما فيه مصلحتهم إلا وطرقته، بحثا عن كل ما يكفل لهم الحياة الكريمة، ويضمن مصلحة أجيالهم المقبلة. لذلك ما إن تحل هذه الذكرى الحبيبة إلا وتجد كل من يتشرف بالانتماء إلى بلاد الحرمين وهو يسارع إلى تجديد انتمائه لهذه البلاد، رغم أن ذلك الانتماء يجري في عروقهم مجرى الدم، ويسكن في كل جوارحهم ويعيش مع أنفاسهم، إلا أنهم يحرصون على ذلك التقليد لإعطاء الآخرين دروسا في الولاء والانتماء، ويؤكدون أنه بمثل ما اختص الله سبحانه وتعالى هذه البلاد بأن جعلها مهبط الوحي ومنطلق الرسالة، فقد اختصها أيضا بشعب وفي كريم، يعرف قدر الرجال الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية الحكم، وبذلوا من الجهد وسكبوا من العرق ما لا يمكن وصفه بالكلمات، أو الإحاطة به وحصره في سطور.

 مع أن التنمية والازدهار والتطور في شتى المجالات بدأت في هذه البلاد المباركة منذ توحيدها على يد الملك المؤسس المغفور له - بإذن الله - عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وسار على ذات النهج أبناؤه الملوك البررة من بعده، سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، رحمهم الله، وحققت بلادنا العديد من الإنجازات الهائلة، وقطعت أشواطا بعيدة في مشوار النهضة، إلا أن ما تحقق خلال السنوات الأربع الماضية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مثَّل إضافة نوعية وغير مسبوقة، تجلت في نوعية المشاريع الاقتصادية التي تم إقرارها ووجدت طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع، أو تلك التي يجري تنفيذها حاليا، فهي مشاريع استثنائية تحمل فكرا جديدا يتجاوز مجرد تحقيق المكاسب المادية والاقتصادية، لأنها تركز على إحداث طفرة اجتماعية مماثلة، وتوفير فرص لإيجاد تدريب نوعي للشباب السعودي يساعده على زيادة مهاراته وتطوير قدراته، ليصبح مؤهلا للحلول محل العمالة الوافدة، وتسلم راية البناء والنماء، إضافة إلى التوجه العام نحو إيجاد مصادر دخل جديدة تقلل من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد، واستغلال الإمكانات الهائلة التي تحظى بها المملكة في جوانب أخرى، مثل الثروات المعدنية الهائلة، والإمكانات السياحية الفريدة، وفي هذا الصدد يمكن القول إن مشاريع مثل مدينة المستقبل «نيوم» ومدينة القدية الترفيهية، ومدينة البحر الأحمر، ومدينة أمالا يمكن لها أن تسهم إسهاما كبيرا في إيجاد مصادر دخل هائلة ترفد الميزانية العامة للدولة وتوجد مئات الآلاف من الفرص الوظيفية المتميزة للشباب، إضافة إلى توطين صناعة السياحة واستقطاب السياح السعوديين الذين ينفقون سنويا عشرات المليارات من الريالات في الخارج، ويقف وراء هذه المشاريع الرائدة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، صاحب الرؤية الثاقبة والفكر السديد.

 كذلك حققت بلادنا خلال السنوات الأربع الماضية من عهد الملك سلمان نجاحات عديدة على المستوى الاجتماعي، مثل توسعة فرصة مشاركة المرأة في كافة ميادين العمل، العام والخاص، وإزالة القيود التي كانت تحد من قدرتها على الانطلاق والعمل، وتشير رؤية المملكة 2030 صراحة في أحد بنودها إلى تقليل نسبة البطالة وسط النساء، وزيادة إسهامهن في الناتج القومي الإجمالي. كل هذا إضافة إلى تواصل العمل في مشاريع تحسين وترقية وتطوير البنية التحتية، حيث لا يكاد يمر يوم دون إقرار مشروع أو البدء في آخر، وهذه كلها جهود تهدف إلى تسهيل حياة الناس وإتاحة الفرصة أمامهم للإبداع والتطور. وهذه الجهود تأتي استمرارا لإرث كبير من القيادة الحكيمة، التي أنعم الله بها على هذه البلاد وأهلها. وإجمالا يمكن القول بوضوح إن بلادنا حققت خلال هذه السنوات القصيرة بحساب الزمن سلسلة ضخمة من الإنجازات النوعية، وتبوأت مكانة رفيعة بين سائر الأمم، نتيجة للرؤية الحكيمة التي يتحلى بها قائد مسيرتنا المظفرة، والخبرات النوعية التي اكتسبها خلال العقود الماضية.

 ولأن إنسان هذه البلاد اعتاد على رد الوفاء لأهله، ومبادلة الإحسان بمثله، فإن هذه المناسبة تبقى فرصة طيبة ومواتية للالتفاف حول قيادته الرشيدة، والوقوف صفا واحدا خلفها، وزيادة اللحمة الوطنية، وتجديد الولاء والطاعة، وتفويت الفرصة على المتربصين بأمننا واستقرارنا، الذين لا همّ لهم سوى بث الإشاعات المغرضة ومحاولة شق الصف الوطني، وهي محاولات يائسة وبائسة لن يكتب لها سوى الفشل الذريع. وعلينا الرد على تلك المحاولات بأن نشمر عن سواعد الجد، وأن نبذل المزيد من الجهد لرفعة بلادنا وتطورها، فبالعمل يتحقق الأمل، وبذلك نكون قد أدينا واجب الشكر لله تعالى، ثم الاعتراف بجميل الوطن علينا. حفظ الله قائد مسيرتنا الملك سلمان بن عبد العزيز، وشدّ عضده وآزره بولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان، وأدام على هذه البلاد نعمة الأمن والأمان والاستقرار والنماء.