في كل عام، تشارك المرأة المحتفلين باليوم العالمي للعنف ضدها، وفي كل مرة تحل المناسبة يشير معدل رصد الظاهرة إلى تناميها وليس انخفاضها، وإن كان على مستوى العالم، إلا أن دول العالم الثالث تفوق غيرها في عدد النساء المعنّفات، وأشكال العنف الواقع عليهن، ونوعية الفئات المُعنِّفة لها.
وفيما يتباين بين الجسدي واللفظي والمعنوي والجنسي والنفسي، يتعدد المُعنِّفين كذلك من الزوج إلى الأب وباقي أفراد الأسرة، إلى فئات أخرى في المجتمع، بينهم نساء أيضا يعنّفن المرأة، إما أفرادا أو جماعات، كما هو الوضع في بيئات العمل أو في المنزل من الأم أو الأخت أو زوجة الأب أو أهله، أمه وأخته مثلا، وفي المدارس بمختلف مراحلها.
وإن كانت هناك عقوبات تطال المعنف إلا أن غالبهم يفلت من العقوبة، خاصة في المجتمعات التي تحتكم إلى العرف القبلي، إذ العادات والتقاليد المتعارف عليها تقول إن المرأة في حال تعرضت للعنف من أي طرف، عليها أن تتحمل وتسكت عن المطالبة بحقها، وإن فعلت فهي تجلب العار للأسرة والقبيلة أيضا. لذلك، تبلع غصتها وتصمت، حتى وإن تمردت على الواقع وطالبت بالإنصاف وأنصفت في حالة من الحالات ستدفع مقابل ما فعلت أضعاف ما تعرضت له في السابق، وليس شرطا أن يكون عنفا جسديا، بل ما هو أقسى نفسيا ومعنويا ولفظيا، مما قد يدفعها إلى التخلص من حياتها بالانتحار أو الهرب.
ومع الأسف، هناك من ينظر إلى المرأة على أنها كائن بشري مجرد من كل الحقوق، ولأفراد المجتمع الحرية في إهانتها وأذيّتها، وهي خلقت في الأصل لخدمة الآخرين وإسعادهم فقط، وهم غير ملزمين بتوفير أبسط احتياجاتها أو حتى التعامل معها بما يليق بالإنسان.
ونحن هنا لا نعمم، ولكن لا ننكر وجود نساء تحت طائلة التعذيب والاضطهاد ومصادرة الحقوق، وهن محتاجات للنظر إلى حالهن، ومحاولة توعية الأسر بحقوقهن وبفظاعة ما يرتكبون ضدهن، ويجب أن يتم التركيز على الأشخاص المؤثرين في الأسر، وهم الوالدان، ولتكون البداية بالأم كونها الأقرب والأقدر على احتواء ابنتها وإرشادها إلى الطرق الصحيحة، بعيدا عن السلوكيات التي قد تقدم على فعلها فتستفز الأسرة كاملة ثم تستهدفها بالتعنيف، ولتكن الأم واعية بالمراحل الخطرة في حياة ابنتها، والتي تتطلب منها القرب والرعاية، وهي فترة المراهقة وما يصحبها من تغيرات نفسية وفسيولوجية، وهذه المرحلة طبيعية جدا لمن يعي ذلك.
وإن لم تكن الأم مدركة ما يحدث لأبنائها -ذكور وإناثا- في هذه المرحلة، فهي مع الأسف قد تساعد دون أن تدري في انحراف بعضهم، خصوصا من توافرت حوله البيئة المعززة، بما فيها من أحداث وأشخاص، وحتى وسائل تواصل مليئة بالغث والسمين، وفي متناول الصغار والكبار، ومهما بلغت المتابعة فلن يستطيع أحد السيطرة على ما ينشر خلالها، والحل يكمن في التوعية والاهتمام والاحتواء لمشكلات الشباب من الجنسين قبل تفاقمها، بحيث يصبح العنف في نظر البعض هو الحل، وهنا المشكلة الأكبر، والتي تقود -كما أسلفنا- إلى كوارث يصعب معالجة نتائجها المدمرة أحيانا.
هناك جهات -لا شك- معنية أيضا بالتوعية والعلاج والإبلاغ عن المعنفين، في حال ثبت وجود حالات لديهم، كالتعليم بمراحله والصحة بمستشفياتها ومراكزها الصحية. وغالب حالات العنف ترصد في المدارس، حيث تظهر آثار التعنيف واضحة على الفتيات، إما في المراحل الدراسية المبكرة، أو في المراحل العليا. أيضا المراكز الصحية والمستشفيات، فقد يلجأ بعضهم إلى إخفاء جريمته بنقل المعنفة إلى المستشفى، ومحاولة طمس معالم القضية، بإنكار واقعة التعنيف، وأن الآثار الواضحة على الضحية، هي نتيجة تعرضها للسقوط مثلا، أو أنها هي من آذت نفسها، لأنها تعاني اضطرابا نفسيا يدفعها قصرا إلى ذلك.
وفي غالب القضايا، يؤخذ بهذا التبرير وتتلقى العلاج وتغادر دون أن يعلم بما حدث لها أحد، وهذا يوضح مدى الإهمال في متابعة هذه المشكلات التي تزداد، لعدم وجود رادع قوي يوقف مثل هؤلاء عن التعدي، وانتهاك حقوق المرأة والتي كفلها الشرع لها.
وللحد من هذا التهاون، فإنه يجب معاقبة كل من يتستر على هذه الممارسات، سواء في دائرة حكومية أو خاصة، قد تعرض عليه مثل هذه الحالات، ويتساهل في عملية إبلاغ الجهات المعنية -الأمنية منها والاجتماعية- والتي يتركز عمل بعضها -خاصة الاجتماعية- على الحماية من العنف بكل أشكاله.