الحقيقة تقول، إن الأزمات تزول والانطباع هو الذي يبقى، وإن الدروس المستخلصة هي التي تدوم وتخدم مستثمريها.
إن الأزمات مساحة واسعة للعقل المتبصر، وليست مجالا للطيش والرعونة والخفة، ولهذا شاهدنا عاقبة العقلاء المتبصرين الذين لزموا الصمت لاستجلاء الحقيقة، كما فعلت المملكة العربية السعودية، وفي المقابل شاهدنا عاقبة أصحاب الرعونة والطيش الإعلامي، كما حصل في قطر وتركيا.
في كل أزمات الوطن وأحداثه العصيبة، كان الخط العام للسعودي هو الدفاع المستميت عن وطنه، وهي حالة وطنية عامة، تكاد تكون من خصائص الشعب السعودي، حتى إن كثيرا ممن تناولوا الدفاع كانوا يردون بلغات مختلفة، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من شعوب الأرض.
شعورنا، نحن كمواطنين سعوديين، بأننا مستهدفون ويمارس علينا التآمر قد يكون فيه ملمحٌ إيجابي، وهو أن الاستهداف والتآمر لا يمارسان إلا على الأقوياء الذين لهم قيمة في المجتمع الدولي، ونحن هنا لسنا بحاجة إلى تكرار قيمة وثقل المملكة في مناح عدة، ولهذا يجري تسليط الضوء على أي إخفاق تتعرض له هنا أو هناك.
إن من أهم ما شاهدناه في هذه الأزمة هو الاعتراف الشجاع بمقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية، وتوجيه النائب العام بفتح تحقيق داخلي وتقديم الملف للقضاء، بعد ذلك انشغلت الرياض بالإنجازات وتحقيق التنمية للوطن والمواطن، خلال المنتديات العالمية، كمنتدى دافوس الصحراء، ومنتدى مسك، ومنتدى أسبار، والذي تحقق خلال تلك المنتديات الدولية مشروعات ودراسات وتوصيات لسعودية الحاضر والمستقبل، أعقبها زيارات خادم الحرمين الشريفين لبعض مناطق الوطن، وافتتاح مشروعات هائلة، ثم جولة ولي العهد لتعزيز علاقات المملكة إقليميا ودوليا والمشاركة في قمة الدول العشرين في الأرجنتين.
لقد كانت نظرة العالم الآخر للقضية على أساس كيفية استثمارها، بينما كانت النظرة السعودية -رسميا وشعبيا- على أنها قضية وطنية مؤلمة، تمس مواطنا سعوديا له كرامة وحرمة، وله أهل ومحبون لديهم مشاعر تجاهه يتعين احترامها، وهي التي دعت المجتمع السعودي إلى أن يتحفظ في تناول الموضوع وشرح أبعاده العميقة، احتراما لمشاعر أناس يعيشون في محنة فَقْدِ عزيز عليهم.
هذه المشاعر الإنسانية لم يقدرها الإعلام القطري والتركي، وتبعهما الإعلام الغربي الذي انصب همّه الأول في كيفية توظيف القضية بطرق سياسية، متجاهلا الأبعاد الإنسانية.
لا شك أننا تعرضنا لهزة عظيمة وأضرار جسيمة، والعالم ليس بتلك السهولة حتى يغير من رأيه بهذه السرعة، إذ إن علينا أن نقدم للعالم أمورا إيجابية، كما حصل من كلمة الأمير محمد بن سلمان في مؤتمر دافوس الصحراء، وقبلها تشكيل لجنة قانونية داخلية برئاسة النائب العام للتحقيق في القضية، وبيانات النيابة العامة، وتنحية المشتبه بهم وتقديمهم وغيرهم للمحاكمة، ولقاءات معالي وزير الخارجية عادل جبير.
ما حدث كان عبارة عن صرخة يقظة لبلدنا، لتصحيح بعض الأمور التي وجدنا فيها قصورا في الأداء والتعامل مع القضية لبعض الأجهزة الأمنية والإعلامية وتحديثها، حتى تكون في المستوى الذي نطمح إليه في إدارة الأزمات واستثمار الظروف التي تخدم هدفنا النهائي، وهو تحقيق الرؤية.
الأداء الإعلامي لدينا بحاجة إلى خارطة طريق، لا سيما في الجانب الدولي، إذ لا تنقصنا الكفاءات والمهارات الوطنية، الأمر الذي يتعين علينا فتح مراكز إعلامية في منشآتنا الدبلوماسية الموجودة في أرجاء العالم، ودعمها بكوادر وطنية مخلصة ذات قدرات مميزة، مع تطعيمها بجنسيات أخرى ذات كفاءات وتأثير في المجتمعات المختلفة، ويكون المركز تحت إشراف وزارتي الخارجية والإعلام.
يتطلب -أيضا- دعم هذا المشروع خلال المراكز البحثية الدولية، وكذلك الجامعات العالمية، والمؤسسات الإعلامية الدولية.
الأمل معقود بأن تكون القضية فاتحة خير للوطن، خلال تبني مشروع إعلامي دولي سعودي، يواكب ثقل وطننا الديني والسياسي والاقتصادي، ولحاجتنا الماسة للوصول إلى العالم الآخر، إعلاميا، لا سيما في هذه المرحلة الحرجة، قبل أن يخلفها أخرى -لا قدر الله- لكون أعداء الوطن متوثبون ولن تتوقف جهودهم عن تشويه بلادنا.
أعلم أن المهمة ليست بالسهلة، لكننا نستطيع الوصول خلال همم «جبل طويق»، وهم أبناء وبنات الوطن، تدعمهم قيادة تحبهم ويحبونها.