استمرارا لجهود المملكة الرامية إلى إعادة إعمار ما دمره المتمردون الحوثيون في اليمن، ولمدّ يد العون للمواطنين الذين تأثروا بما اقترفته الميليشيات الانقلابية التي لم يسلم الإنسان ولا الحيوان ولا الحجر من ممارساتها الانتقامية، يواصل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن برامجه الرائدة، لإصلاح ما دمرته الحرب، إذ افتتح البرنامج -مؤخرا- مشروع إعادة تأهيل مستشفى الجوف العام، بعد أن عمل البرنامج على ترميمه وتجهيزه بالمعدات الطبية، ورفع طاقته الاستيعابية، ليتضمن 7 عيادات، وقسمين للطوارئ والتنويم.
كما تم توفير حوالي 300 جهاز وأداة طبية، ليخدم 12 مديرية، ويستقبل 18 ألف حالة شهريا، ويستفيد منه حوالي 600 ألف مواطن يمني بمحافظة الجوف.
ومع أن المجالات التي يتضمنها البرنامج تشمل كثيرا من أوجه المساعدات مثل: المشتقات النفطية، وتوفير الفرص الوظيفية، وإيداع مليارات الريالات في البنك المركزي اليمني، لمساعدة العملة المحلية على الصمود والاحتفاظ بقيمتها، ومطار مأرب الإقليمي الذي سيحدث نقلة في تلك المنطقة التاريخية التي تحوي كثيرا من الآثار الإسلامية والعربية الخالدة، إلا أن اللافت أن البرنامج أولى أهمية قصوى لإعادة بناء الإنسان اليمني، لا سيما شريحة الشباب والطلاب الذين لا شك أنهم تأثروا سلبا بمشاهد القتل والدمار التي رأوها بأعينهم، وعايشوها بأنفسهم، لذلك تم التركيز في البرنامج على الجوانب الطبية والتعليمية.
فإضافة إلى مستشفى الجوف، هناك مدينة الملك سلمان الطبية والتعليمية في محافظة المهرة التي تضم كلية علمية وأخرى أدبية، إضافة إلى مستشفى بسعة 300 سرير. هذا إلى جانب ترميم وتوسعة مستشفى الغيظة العام، وجامعة المهرة بعدد من الكليات وكل المرافق التابعة لها، ومستشفى المهرة بسعة 200 سرير في مرحلته الأولى، مع كل الخدمات والتجهيزات، ومشروع إعادة تأهيل مطار الغيظة، وصيانة ميناء نشطون بمختلف التجهيزات من كهرباء وسفينة سحب، ومشروع توسعة وتأهيل مرافق مياه الشرب، وتمديد الأنابيب وبناء خزانات رفع وتزويد المياه، وإنشاء محطة كهرباء المهرة، لتغطي مختلف مديريات المحافظة.
كل تلك المشاريع تثبت -بوضوح- الحرص السعودي على مساعدة أبناء الشعب اليمني على تجاوز الآثار المدمرة التي خلَّفها الانقلاب الحوثي المشؤوم. فالمشاريع الثمانية التي أُطلِقت في بداية أغسطس الماضي، هي مشاريع تنموية مهمة تأتي انطلاقا من حرص المملكة على مد يد العون للشعب اليمني الشقيق في المجالات كافة، ذلك أنها تلامس مختلف القطاعات ذات الأولوية والأهمية في حياة المواطنين داخل اليمن، وذلك في مجالات في البنى التحتية والخدمات الأساسية، وتنشيط الاقتصاد، وتوفير فرص العمل، وكان لافتا تصريح سفير خادم الحرمين الشريفين لدى صنعاء، المشرف على البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، محمد بن سعيد آل جابر، الذي أكد سعي المملكة إلى إيجاد وتهيئة الآمال للشعب اليمني الشقيق، بمشروعات فاعلة تحقق المأمول وتلامس احتياجاته، وفي ذلك التصريح إشارة إلى أن ذلك البرنامج الطموح لا يعني مجرد إنشاء مشاريع تنموية تحقق مكاسب مادية، بل يستهدف الإنسان اليمني في المقام الأول، وإعادة الأمل إليه لاستعادة أمجاده، والعودة من جديد إلى أداء دوره الرائد على الساحتين العربية والإسلامية.
ولا يخفى على أحد، أن الانقلابيين الحوثيين ركّزوا -منذ بداية مصادرتهم الشرعية- على هزيمة الإنسان اليمني، حتى يفقدوه القدرة على مقاومتهم، ويستطيعوا ابتلاع أرض العروبة وتجييرها لمصلحة طهران.
لذلك، عملوا على إغلاق المدارس والجامعات، ومطاردة الأساتذة واعتقالهم، وتجنيد الأطفال في صفوف ميليشياتهم الإرهابية، والدفع بهم إلى جبهات القتال، وفي ذلك تدمير لمستقبل اليمن، إضافة إلى إغراق الشعب في دوامة الفقر والمرض، عبر فصل الموظفين، وإغلاق أماكن العمل، وتدمير المؤسسات الصحية، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومخازن للأسلحة.
كما عمدت طهران إلى تشجيع هذا التوجه عبر النكوص عن التزاماتها المادية والعينية للانقلابيين الحوثيين، واقتصار مساعداتهم على حلفائهم الحوثيين على أدوات الموت والدمار، من قنابل ورصاص وصواريخ وألغام، تفتك بالمدنيين الأبرياء كل صباح، تبتر أشلاءهم وتمزق أجسادهم، فلم يشهد لهم الشعب اليمني أي إسهام في عناصر الحياة من مستلزمات طبية أو مواد غذائية أو مساعدة مالية.
لذلك، فإن التوجه الذي يتبناه البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، يبقى هو الأسلوب الصحيح لمواجهة هذا المخطط الشيطاني.
ويبقى الأمر المحزن هو حالة التعامي عن الحق، التي تتبعها المنظمات الدولية التي كان من المفترض أن تكون هي المعنية بأعمال الإغاثة في اليمن، لكنها -للأسف- تجاهلت مهمتها ورسالتها الإنسانية، وانصرفت لتلعب دورا مدمرا، تمثل في الوقوف إلى جانب المتمردين الذين تسببوا فيما يعانيه اليمن اليوم، وارتضت تلك المنظمات أن تلعب أدوارا سياسية لا تتناسب مع مهامها الأساسية، وليتها توقفت عن ذلك الحد، فقد تمادت -للأسف الشديد- ووصل بها الحال محاولة تجميل الوجه القبيح للميليشيات، وإضفاء صفات لم تجرؤ هي نفسها على ادعائها، مثل سلطات الأمر الواقع والثوار، إلى غير ذلك من السقطات التي وردت في تقرير لجنة تقصي الحقائق، بل إن المبعوث الدولي لليمن مارتن جريفيث أتى بسقطة كبيرة وغلطة لا تغتفر، عندما قال في تصريحه الأخير عقب زيارته صنعاء: إنه «تشرَّف» بمقابلة زعيم الحوثيين، ولا أدري أي شرف يكمن في مقابلة متمرد أورد بلاده موارد الهلاك والدمار، ومجرم أوردته الأمم المتحدة نفسها في قائمة المطلوبين لديها، لكن جريفيث تناسى كل ذلك، وأعاد إلى الأذهان قول المتنبي «وتعظم في عين الصغير صغارها... وتصغر في عين العظيم العظائم».
لكن تبقى الحقيقة الماثلة للعيان، وهي أن لليمن محيطا عربيا وإسلاميا، لن يرضى له بغير النهوض والعزة، وجوارا لن يضن عليه بأي عون أو سند، حتى يعود كما كان حضنا للعروبة، ومهدا للإباء.