ساذج جدا من اعتقد أن جملة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الشهيرة حول التصدي للصحوة «سندمرهم وفورا»، كانت جملة عادية، أو أنها مرت مرور الكرام.
تلك الجملة التي تلقفها الشعب السعودي في غالبه بالسعادة، إذ هي إيذان بكسر كثير من القيود التي ما أنزل الله بها من سلطان عليهم.
تلك الجملة -هي نفسها- وما تبعها من أفعال تؤكد عليها، تلقفها أعداء الوطن بكثير من الحقد والعدوانية، لأنهم فهموا عمقها ومغزاها جيدا.
ولنعد إلى القصة من أولها. في عام 1979 عندما استولى الخميني بثورته الداعية إلى ولاية الفقيه على إيران، وكانت نظريته تتلخص في الدعوة إلى دولة دينية تؤمن بأن الولي الفقيه هو الأدرى من الناس بأنفسهم، وهو من يرسم طريقهم للنجاة في الدنيا والآخرة، رغم أن شعار المتظاهرين المؤيدين له «استقلالية، حرية، جمهورية إسلامية»!
كان المتظاهرون يأملون في «ديمقراطية إسلامية»، ولا أعلم حقا كيف تكون «ديمقراطية» وهي تؤمن بالتبعية العمياء للولي الفقيه!
إذن، هي حركة تزعم الرداء الإسلامي، بهدف الوصول إلى السلطة والحكم.
كان من أول المهنئين للخميني آنذاك، بل والداعمين له: الإخوان المسلمون.
يذكر القيادي الإخواني يوسف ندا: «إن الإخوان شكلوا وفدا لزيارة الخميني في باريس لدعمه، وإن ثالث طائرة تهبط لإيران بعد طائرة الخميني، عقب ثورته هي طائرة وفد الإخوان الذي قدم إلى إيران لتهنئة الخميني على ثورته».
وقال عمر التلمساني: «حين قام الخميني بالثورة أيدناه ووقفنا بجانبه»، وقال القيادي عصام العريان: «إن جماعة الإخوان المسلمين أيدت الثورة الإسلامية في إيران منذ اندلاعها عام 1979»، وقال راشد الغنوشي: «بنجاح الثورة في إيران يبدأ الإسلام دورة حضارية جديدة»، بل ذهب أبعد من ذلك، إذ كتب مقالا بعنوان «الرسول ينتخب إيران للقيادة» ذكر فيه أن: «إيران اليوم بقيادة آية الله الخميني القائد العظيم والمسلم المقدام، هي المنتدبة لحمل راية الإسلام».
حسنا، قد يتساءل البعض: وما شأن هذا بجملة ولي العهد وبالأوضاع الحالية!
قليل من الصبر وستدرك ذلك. في تلك الفترة، كانت الثورة الخمينية ملهمة لكثير من المتأثرين بالنظرية الإخوانية في الحكم، فقامت حركة جهيمان حينها بمحاولة الثورة والانقلاب على الحكم، أيضا باستعمال «الزي الإسلامي»، واستولوا على الحرم المكي، وبثوا البيانات التحريضية عبر مكبراته.
ظن جهيمان وأتباعه أنهم باستيلائهم على الحرم، سيضمنون تعاطف العالم الإسلامي معهم، وسيحرجون الدولة عن محاولة ثنيهم وإيقافهم، حيث يتحصنون ببيت الله الحرام.
وغاب عن بالهم أنهم بذلك إنما يستفزون مشاعر ملايين المسلمين ضدهم، إذ لن يقبلوا العبث ببيت الله وانتهاك حرمته، عبر اتخاذه ذريعة لأهداف سياسية، وغفلوا عن أن حرمة دم المسلم، أكبر من حرمة البيت الحرام نفسه، كما نص كتاب الله، وأخبر عنه نبيه.
حينها، أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى بجواز اقتحام البيت الحرام، لصد الباغين الخارجين، صيانة لحرمة البيت وحرمة المصلين فيه.
انفضّ الموقف كله، بقتل بعضهم والقبض على الآخرين، ثم الحكم بإعدامه.
لكن الحدث لم ينته إلى هنا، فقد كانت له ظلال سيئة، بقي بعض آثارها على شكل فكر الصحوة الذي وجد قبولا لدى البعض.
فكر الصحوة الذي كان في بداياته مجرد الحرص على تطبيق النهج الإسلامي، وفق رؤية وتفسير واحد، ثم اتسع ليشمل تكفير ما عداه، واتسع بعدها ليشمل الدعوة لخلافة إسلامية!
ها نحن عدنا من جديد إلى لب الثورة الخمينية، «الوصول للحكم عبر زي إسلامي»
وها نحن عدنا من جديد إلى لبّ فكر الإخوان، العمل على الوصول إلى السلطة مهما كلف ذلك، عبر امتطاء الدين، بقيادة المرشد العام.
«الصحوة» هي امتداد للفكر الإخواني الثوري، لا تكتفي بالدعوة إلى تطبيق الشرع في سائر الحياة «وهذا أمر لا نختلف معها فيه»، لكنها للأسف تحمل بذرة خبيثة: ألا وهي تكفير كل المجتمعات التي لا تبايع المرشد، واعتبار حكوماتها جاهلية يجب معاداتها، وهدر دم كل من يتعاون معها!.
وهذا ليس افتراء عليهم، فهو مدوّن في أدبياتهم وكتبهم، خاصة كتب سيد قطب، الذي كان لا يرى وجوب صلاة الجمعة على الفرد، كون المجتمع الذي يقيم فيه مجتمعا جاهليا لا تقوم به جمعة، وكان يرى جواز أكل ذبيحة المسلمين رغم كفرهم في نظره، تقية، ولأنه نزّلهم منزلة أهل الكتاب!.
«اشتراط مبايعة المرشد والانقياد له وتكفير كل مجتمع لا يؤمن بنظريتها» -هذا الشرط الذي يذكّرك بولاية الفقيه- هو الذي يدلك على أنها في الأساس فكرة سياسية تبتهل الطرق المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى السلطة، وأفضل هذه الطرق في مجتمع متدين بالفطرة هو: التزيي بالديني.
هذا الفكر الصحوي الذي بدأ في الانتشار بعد القضاء على حركة جهيمان، كان أول طرائقه للاستبداد بنفوس الناس وضمان تبعيتهم:
1ـ إنكار سعة الفقه الإسلامي، ومحاولة فرض شكل واحد من التدين يقرّونه هم «مع كل ما يؤدي إليه ذلك من بث للعداوات والنفرة بين الناس وتضييق عليهم.
2ـ تكفير قيم مهمة لا غنى عنها لاستقرار المجتمع، مثل «الوطنية»، فنسبوا هذه القيمة للجاهلية والكفر!.
فكنت تجد ولاء الصحوي للمسلم الموافق لتوجهه وطريقة تدينه - مهما كان جنسه - مقدما على ولائه لوطنه وشعبه وحكومته!
الآن، نعود إلى جملة ولي العهد المجدد الأمير محمد بن سلمان، فهو حين توعد بتدمير تلك الصحوة، تلقف أعداء الوطن هذه الجملة، وأدركوا فطنة الأمير ووعيه لسبب كثير من مشكلات الوطن، وأدركوا أن حربه معهم هم بذاتهم.
لذا، كانت الحملات تلو الحملات، في محاولة لاستهداف هذا الأمير، بطرق يتعلم منها الشيطان، ربما تناولتها في مقالات قادمة.
هي حرب ولي العهد - والشعب من خلفه - على «الصحوة الغفوة»، ومَن خلف الصحوة الغفوة.
ويا أمان الخائفين وملهم المتقين.