حقنة تخدير من بين كثير من الحقن الأخرى التي تخدر بها قدراتنا وإمكاناتنا، زرعوها بعناية في عقولنا، وتابعوها وهي تنمو وتتفرع خدرا وعجزا في أطراف عزيمتنا! ومسارب ضمائرنا، فأصبح الصغير والكبير والمسؤول وغير المسؤول يتمثل بها تبريرا للفشل، وتخديرا لألم الخيبة.
لقّنونا بإلحاح أن يدا واحدة لا تصفق، ولم يلقنونا أنها تمسح دمعة يتيم، وتغني جيب فقير، وتصفع متجبرا، وتقتلع شوكة من صدر مقهور، وتكتب مقالة متواضعة، لكنها عادلة كالتي أكتبها الآن.
يد واحدة لا تصفق!
ولماذا التصفيق أساسا؟ إذا رأينا ما يستحق الإعجاب يمكننا أن نقف لبرهة، ويضع كل منا يدا واحدة على قلبه تعبيرا عن الإعجاب والامتنان، بمعنى أنه حتى في المواضع المفترضة للتصفيق قد لا نحتاجه.
إننا بحاجة إلى أن تعي تلك اليد الواحدة أنها تملك الكثير، وبإمكانها أن تفعل الكثير وحدها، فإن ساندتها في ذلك أياد أخرى فذاك عين السعادة.
ولكن، عندما يتنصل صاحب المسؤولية من مسؤوليته، ويتهرب صاحب المهمة من مهمته، بحجة أن يدا واحدة لا تصفق، هنا سيطول جوع الجائع، وألم المريض، وقهر المظلوم، ويهترئ ملف العاطل، ويتمادى الظالم، ويستشري الفساد، و«تغرق المدن من زخة مطر».
يد واحدة لا تصفق، وبناء عليه أيها الموظف، أيها المسؤول، لا تتعب نفسك ولا تقلق بالك بإصلاح العالم، فأنت واحد والخطأ أكبر من أن تصححه وحدك، فلئن تجعلها مغلولة إلى جيبك خير لك من أن تبسطها لإصلاح العالم وتعرضها لعوامل التعرية!
يد واحدة لا تصفق، تنهيدة الضعفاء، وتجشّؤ الأقوياء، وقطعة بالية من إرث تثبيطيّ مركوم بعضه فوق بعض.
المهم يا سادة..
صدقوني، إن يدا واحدة تفعل الكثير، فقط حرّروها من قيد التصفيق، وحركوها في المسار الصحيح، وأيقظوا الضمير أولا، فهو الكفيل بجعلها تعمل وتعطي وتنجز وتتفوق.
أيها الأعزاء..
إن تلك الأمثال المثبطة والعبارات المُقعِدة هي أسوأ سماد نغذي به تربة الجيل، فعلينا أن نتعاون في محوها وتغييرها إلى عبارات تحفيزية وشاحذة للهمم، واستنفار للقدرات والمواهب، ودعم للأفكار المتقدة، فقد آن الأوان أن ننفض غبار الأذهان، ونوقد في كل عقل شمعة، ونعلق في كل طريق مصباحا، ونضع في كل يد بذرة صالحة، ونعلم الجيل والأجيال القادمة أن يدا واحدة تزرع، تقتلع، تسقي، تواسي، تكتب مقالة، تشغّل آلة، تمنع خطرا، تجلب منفعة، تحمل مشعلا نحو القمة.