نظمت الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين الأسبوع الماضي مؤتمرها السابع حول «أهمية ودور المراجعة الداخلية في القطاعات الحكومية السعودية الواقع والمأمول»، وكان من بين أوراق العمل المقدمة في هذا المؤتمر موضوع واقع إدارات المراجعة الداخلية في بعض الجهات الحكومية، حيث إن عددا من هذه الإدارات غير مفعلة، إما لعدم وجود الدعم المعنوي والمادي لها، أو أنها لا ترتبط بالمسؤول الإداري الأول، بالإضافة إلى النظرة الخاطئة إلى المراجعة الداخلية وعدم تعاون باقي الإدارات معها، ومعظم الجهات الحكومية «تسير بما يسمى إدارات المتابعة وليس إدارة المراجعة الداخلية».
إضافة إلى ما سبق، صرّح ديوان المراقبة العامة بأن هناك تعديلات جوهرية على اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية، وأيضا العديد من الأسس المطلوبة في الوقت الراهن لكي تعمل هذه الوحدات والإدارات بالشكل المأمول.
رغم أهمية مؤتمر جمعية المراجعين الداخليين، خاصة في التوعية بأهمية المراجعة الداخلية، وتسليط الضوء على أهم التحديات التي تواجهها على أرض الواقع، إلا أنه لا يتعدى التوصية بالالتزام بالمعايير المهنية وتعديل مواد اللائحة، فمنذ إنشاء وحدات المراجعة الداخلية وهي تواجه نفس الصعوبات التي ذكرت في ورش وندوات المؤتمر، دون وجود أي تغيير على أرض الواقع، فمن أهم العوامل التي أدت إلى وجود مقاومة للمراجعة الداخلية في بعض الجهات الحكومية، النظرة الخاطئة إلى دور المراجع الداخلي باعتباره «جاسوسا»، أو أن مهمته مجرّد تصيد للأخطاء، كذلك هناك عوامل أخرى تتعلق بعدم وضوح المفهوم المهني للمراجعة بشكل عام وعلاقتها بمكافحة الفساد، بالإضافة إلى وجود قصور في الممارسة المهنية لها.
بالإضافة إلى ما سبق، كان موضوع استقلالية وحدات المراجعة الداخلية من أهم التحديات التي واجهتها عند إنشائها في الجهات الحكومية، وبدأت تظهر المشاكل فعلا على السطح عندما أخذت هذه الوحدات في ممارسة مهامها واختصاصاتها، ومن الإشكالات التي يطرحها المراجعون في الواقع العملي هي: كيف يقوم المراجع الداخلي بأداء مهامه وهو في مرتبة وظيفية تقل عن باقي المديرين في الإدارات الأخرى؟ كيف يقوم المراجع بتقييم أعمال إدارة الشؤون المالية والإدارية وهي المختصة بالترقيات وصرف الانتدابات وخارج الدوام، فهناك تضارب مصالح بين الإدارتين؟ ناهيك عن أن هذه الإدارة تعد من أهم الإدارات في أي جهة حكومية والتي يعتمد عليها الوزير أو المسؤول الأول في أي جهة حكومية، وفي بعض الأحيان فإن المراجعة الداخلية بعيدة كل البعد عن الوزير، حتى وإن ارتبطت به مباشرة، بالإضافة إلى وجود علاقة عدائية مع الإدارات الأخرى.
في الواقع العملي، فإن العديد من المسؤولين يتجنبون قدر المستطاع قيود الأنظمة واللوائح، ومنها الإجراءات المالية، والمراجع الداخلي من مهامه التأكد من الالتزام بهذه الأنظمة، فهل يسمح المسؤول بكشف هذه التجاوزات وكتابتها في تقارير المراجعة الداخلية، والسماح للجهات الرقابية بالاطلاع عليها؟.
كما أن هناك ازدواجية في بعض المهام بين المراجعة الداخلية وإدارة المتابعة، وبالتالي يوجد تنازع صلاحيات بين الإدارتين! كما أن العلاقة مع الجهات الرقابية الخارجية مثل ديوان المراقبة العامة ونزاهة غير واضحة، فالبعض يعد إدارة المراجعة الداخلية إدارة جاسوسية لصالح هذه الجهات، فكيف سوف تكون ردة فعل المسؤول الأول في الجهة الحكومية عند كشف المخالفات وقضايا الفساد؟.
هذا باختصار شديد لأبرز المشاكل التي يثيرها عدد من المراجعين في بعض الجهات الحكومية، وجميع هذه المشاكل تتعلق باستقلالية وموضوعية المراجعة الداخلية، وبالطبع هناك أسباب تنظيمية وتشريعية وإدارية لظهور هذه المشاكل، وتعد الاستقلالية والموضوعية أمرين حيويين بالنسبة للمراجعة الداخلية التي تطلب تقديم معلومات غير متحيزة ودقيقة حول استخدام الموارد والخدمات العامة، والمراجع الداخلي يجب أن يؤدي واجباته من دون قيود ودون أي تدخل أو ضغوط من الجهة أو الإدارة.
مهما تحدثنا عن مشاكل إدارات المراجعة الداخلية في الجهات الحكومية وعن المعايير المهنية وعن تعديل مواد اللائحة الموحدة، في نظري لن يحدث تغيير في واقع هذه الإدارات ما لم تكن هناك مساءلة عامة للجهات الحكومية تعتمد على شهادة وتصديق التقارير المالية والإدارية من قبل ديوان المراقبة العامة، بحيث يتم توفير أساس من الثقة في الإدارة الحكومية، وإرساء الثقة في عمليات الجهات الحكومية، وذلك من خلال الحصول على رأي فني مهني محايد بشأن الأموال العامة من قبل جهة رقابية مستقلة تقوم بتحليل المخاطر والثغرات، وتقييم قواعد العمل والإجراءات وفحص أنظمة الرقابة الداخلية، حينها ستعتمد الجهات الحكومية على إدارات المراجعة الداخلية، خاصة في تقييم أنظمة الرقابة الداخلية ودعم المساءلة العامة.