في مستشفى عسير المركزي ذلك الذي لا تصل مساحته الإجمالية إلى 250 ألف متر مربع، هذا المستشفى الصغير المرهق يخدم منطقة تحتوي على قرابة مليوني نسمة، يفرز هذا التجمع السكاني الضخم عددا ضخما هو الآخر من مرضى تختلف حالاتهم من العادية إلى المتوسطة إلى الحرجة، إلى من قد فارق الحياة وهو ما زال في طريقه إليه، أو ربما ما زال يبحث مسعفه عن «موقف» لسيارته، أو لربما وجد أمامه الطريق مكتظا بحالات مشابهة.. المهم أنه وصل وقد صار «جنازة»!
في هذا المستشفى الصغير مقارنة بما يخدم من محافظات شاسعة مترامية الأطراف مكتظة بالبشر، في هذا الصغير تنظر إلى قسم الطوارئ للوهلة الأولى فيصيبك الإحباط، فربما عاد بعض المراجعين إلى منازلهم لصدمة ما رأته أعينهم من الزحمة!
غرفة فرز صغيرة جدا، وطاقم طبي يعد على أصابع يدك اليمنى ربما، وفي السيب - مكان الانتظار- سترى على يمينك مريضا في ساقه كسر «مفتوح»، أي ترى عظمه شاقا جلده وخارجا منها منزاحا من مكانه، ليرى هو الآخر هذه الزحمة الشنيعة!
والأدهى من هذا، أنه عندما أراد هذا المريض ذو الكسر المفتوح -الذي قد يسبب نزيفا مميتا أو تسمما دمويا قاتلا- عندما أراد الذهاب لقسم الأشعة «الذي يعمل بالديزل هو الآخر»، فإنه سيضطر أصحابه إلى حمله على الأكتاف لعدم توافر كرسي متحرك، وعندما تسأل المدير المناوب أو أحد العاملين عن هذا الكرسي المتحرك «العربية» يفيدك ببساطة بأنه «سرقها المراجعون»!! وكل هذه الإجراءات الأولية من فحص وأشعة تحتاج منك ساعتين على الأقل «من غير الانتظار المبدئي الذي يصل إلى 7 ساعات وأكثر»!! وليس هذا فقط، فسيحتاج هذا المريض ذو الساق المكسورة إلى «جبس» لتجبير الكسر، لكن فني الجبس الذي يجب أن يكون متواجدا في المستشفى ضمن فريق الطوارئ لن يكون متواجدا، فهو ربما كالاستشاريين يأتي عند طلب سعادته فقط؛ on-call!!
وسترى في زيارتك أيضا على يدك اليسرى أدهى مما رأيته على يمينك، سترى مريضا متشنجا تطورت به الحال حتى احتاج إنعاشا بسبب حالته الصحية وطول الانتظار! فمن الحادية عشرة ليلا حتى الثالثة صباحا وهو لا يسمع سوى «انتظر»، هذا إن علم عنه أحد! وهذا المسكين «المنتظر» ربما أتاه طبيب وحيد ليسعفه، فالتمريض يرتاد دور «ضيف الشرف»، فهو لا يحرك ساكنا، وماذا عسى أن يفعل هذا الطبيب بين عدد مهول بين كسير وجريح ومتشنج ومجلوط ومغمى عليه؟!
ولربما ألتمس أنا العذر لهذا الطاقم التمريضي «المتجمد»، فعدد الحالات الضخم وتنوعها الحرج يذهب العقول ويروغ بالأذهان.. بالتالي فإنه -وفي نهاية المشهد- ربما انتقل هذا الطبيب «المناضل» إلى صف المرضى وأصبح واحدا منهم!
مشهد واقعي عشته في ليلة صعبة، وفي نهايته انصرفت تاركا ورائي مئات المشاهد والروايات المحزنة والليالي الكئيبة وأنا أتساءل، أين وزارة الصحة من هذا الخلل الجلل، هل أصبح القطاع الخاص هو الحل؟!
وهل كل أحد لديه القدرة المادية لإشباع جشع «تجار» المستشفيات الخاصة؟! لماذا لم تجد الوزارة بديلا لهذا المستشفى الذي بلغ من العمر عتيا؟! ثمانية وثلاثون عاما مضت بين الترقيع والتجبير في مبانٍ ضاقت بمن فيها وضاقوا بها ذرعا! لكن وكما قال المثل الشعبي «الكبير ما ينفع فيه الكحل»! في منطقة كمنطقة عسير ذات النمو السكاني البالغ 2.18%، أصبح هذا المستشفى المركزي لا يناسب إلا أن يكون مستشفى عاما لمدينة أبها فقط، وعسى أن يسد حاجتها.
ختاما سأختم بسؤال طالما طرحته: ما حال المدينة الطبية يا وزارة الصحة؟!