أنقل لكم اليوم تجربة ورؤية مثيرة للاهتمام ففي أميركا، وتحديدا في ولاية نورث كارولينا، فإن المحامي وشركات المحاماة تلزم هيئة المحامين المحلية بإنشاء حسابات بنكية موثقة بمسمى Trust account، بالتنسيق مع البنوك لاستقبال أموال الناس الذين يرغبون بالتقاضي، والتي عادة تقدم على شكل مقدم مالي للخدمة القانونية.

المثير للاهتمام أنه من واجبات المحامي الإلزامية أنه يضع حسابا تشغيليا لمكتب المحاماة، وحسابا موثقا آخر لأموال الناس الراغبين بخدمة المحامي، وعادة ما يدفعونها على شكل مقدم، الغاية من ذلك الرقابة اللاحقة بحيث لا يصرف المحامي أموال الناس إلا بالقدر الذي يدرس فيه القضية، وكذلك لتجنب عمليات غسل الأموال، نعم غسل الأموال!.

المحامي القانوني معرفته بالقانون تؤهله تماما لغسل الأموال بطريقة قانونية عسيرة الاكتشاف على الجهات المختصة، ومن يلاحظ عمليات غسل الأموال الدولية يجد فيها بالواجهة غالبا مكتب محاماة! الهدف من هذا الحساب الموثق -والذي يعرض من قبل بنوك نورث كارولاينا كمنتج بنكي محلي- ألا يختلط الحابل بالنابل مع المصاريف التشغيلية للمكتب أو الشركة وتضيع أموال الناس، ويصعب عندئذ تتبع كيف جاءت هذه الأموال، وفي ماذا صرفت وربما صعب ذلك عملية التصفية حال الإفلاس.

هذه التجربة ربما تستحق الدراسة والنقل للمملكة للتخفيف من المشاكل بين المحامين والناس، ما زالت تجربتنا في المحاماة كمهنة وهيئة المحامين تعدّ جديدة مقارنة بالدول الأخرى من ناحية التنظيم، وأتمنى من هيئة المحامين الالتفات لهذا الجانب، وربما إصدار دليل تنظيمي بشأن فتح مكتب أو شركة المحاماة، والأخص تنظيم كيفية تسعير الخدمات القانونية، والأهم منها وضع حساب بنكي موثق للمحامي بعيدا عن حساب مكتب المحاماة التشغيلي، وهذا ينطبق على جميع شركات محاماة ومكاتب صغيرة ومتوسطة.

كثير من المحامين السعوديين الصغار يخلطون حساب المصاريف التشغيلية وحساب الأموال التي يودعها الناس له بغية الخدمة القانونية، وبالتالي يصعب عليه ها هنا حفظ سجلات مالية دقيقة عن أنشطته، وهذا كما قلت سابقا يصعب عمل الجهات المختصة التي قد تحقق في قضايا غسل الأموال المحتملة في مكاتب المحاماة.

غسل الأموال تحدٍّ حقيقي، وهو باختصار أموال نتجت عن أنشطة غير مشروعة قانونا، وتغسل في واجهات تجارية في العادة ليتحول سبب وجودها إلى سبب مشروع، لذا أقترح على وزارة العدل تبني ما تفعله ولاية نورث كارولينا بما يناسبنا، منعا لأي محاولة لغسل الأموال أو بالأحرى هل تساءلت يوما كيف تستطيع بعض الأعمال التجارية الصمود، رغم عدم وجود عمل حقيقي على أرض الواقع يسند وجودها الفعلي.