كثيرا ما تشتكي الأمانات والبلديات من ظاهرة التخريب والعبث في الممتلكات والمرافق العامة، فقد نشرت إحدى الصحف المحلية تحقيقا حول هذه الظاهرة والمتمثلة في «إتلاف الأشجار والعبث فيها أو إحراقها، والكتابة على الجدران والمظلات وتشويهها، سواء في الأماكن العامة أو المتنزهات والحدائق أو الشواطئ، وكذلك إتلاف دورات المياه العامة، وعدم المحافظة على ألعاب الأطفال والعبث بها، مما يتسبب في إتلافها، أيضا عدم المحافظة على الحاويات أو سرقتها ورمي الأنقاض عشوائيا، وترك المخلفات على الأرض بجانبها»، وقد حاول بعض المختصين في علم الاجتماع تحليل أسباب هذه السلوكيات والتي تعود في نظرهم إلى «غياب التوعية بأهمية الحفاظ على الممتلكات العامة»، إضافة إلى أن «الجو الأسري المشحون ينعكس على سلوكيات الأبناء داخل المجتمع».
المظاهر السلبية السابقة ليست قاصرة فقط على المرافق العامة، فقد نجد في بعض الأحياء السكنية القاذورات وفضلات الطعام، وكل أشكال النفايات وأكياس الزبالة منتشرة بشكل عشوائي أمام المنازل، أو رمي المخلفات من السيارة أو السير بها على المسطحات الخضراء، وكما ذكر آنفا يرى عدد من المختصين أن أسباب ذلك تعود إلى الجهل وعدم التوعية وسوء التربية، أو عدم وجود عقوبات رادعة، وفي نظري أن أسباب هذه الممارسات تعود في المقام الأول إلى عدم الشعور بالمسؤولية.
لا شك أن تلك الصور السلبية مؤلمة، وهي واضحة للعيان، لكن ماذا لو علمنا أن هذه الصور ما هي إلا نتيجة بسيطة لعدم الشعور بالمسؤولية، وهذا ما ينطبق تماما على الظواهر السلبية الأخرى مثل الاحتطاب الجائر وتدمير البيئة أو تلويثها، أو الصيد الجائر وقتل الحيوانات البرية، أو التعدي على الآثار التاريخية وتحطيمها.
إن عدم الشعور بالمسؤولية نراه في صور أخرى وفي مجالات مختلفة، فقد نراه في المطار من تعامل سيئ من بعض الموظفين، أو الوقوف في أرتال عشوائية بلا نظام، أو خرق النظام من له معرفة بين العاملين في المطار، أو التعامل بفوقية وغطرسة لمجرّد السؤال عن سبب تأخر الرحلة أو اللامبالاة عند ضياع الحقائب أو إلغاء الرحلة، إنه عدم الشعور بالمسؤولية الذي يصبح قاعدة في التعامل، وعندما يحتل الفرد موقعا أعلى من غيره.
قد نواجه أيضا عدم الشعور بالمسؤولية في المستشفيات، عندما لا يجد المريض سريرا في المستشفى، أو لا يجد موعدا إلا بعد أشهر طويلة، أو لا يتم علاجه بالشكل المطلوب مهنيا، أو لا يجد دواء في الصيدلية لعدم توافره، لتبدأ معاناة المريض في البحث عن «واسطة» لعلاجه، والتي تمكنه من تحديد موعد خلال أيام معدودة، فنظام الرقابة على قسم المواعيد ضعيف، فيستطيع الموظف التلاعب بإدخال وتقريب موعد من يشاء من أقاربه ومعارفه، وحذف من يشاء دون رقيب.
أما بالنسبة للتعليم، فنسمع أخبارا محزنة عن أشكال الغش والتلاعب في التدريس، وشراء أسئلة الامتحانات، وكل ما يتعلق بالعملية التعليمية والتربوية، فضلا عن الصورة العامة دون المستوى المطلوب من الشعور بالمسؤولية عن مستقبل الأطفال، فعدد من المدارس الحكومية غير مهيأة للبيئة التعليمية وغير مجهزة عمليا كي يمارس فيها الطالب أنواع النشاطات المختلفة، أو ممارسة هواية يرغب فيها.
إضافة إلى ما سبق، هناك مظاهر سلبية أخرى، تتمثل في الرشوة بدءا من صغار الموظفين، والذين في الغالب لا تتعدى رشوتهم تذاكر سفر وإقامة في أفخم الفنادق في إحدى الدول الأوروبية، أو مقابل امتلاك سيارة جديدة، وذلك ثمنا لصمتهم وغض الطرف عن بعض المخالفات أو الغرامات في المشروعات الحكومية، إلى كبار الموظفين الذين قد يتقاضون عشرات الملايين من الريالات، خلال التلاعب والاحتيال على الصفقات الحكومية الكبيرة.
أما بالنسبة للواسطة والمحسوبية، فالأصل في كل الأنظمة والقوانين أن الناس متساوون في الحقوق والواجبات، ومظاهر المحاباة والواسطة من المظاهر المقيتة في الوظيفة الحكومية، فتكون معايير الانحياز لمصلحة القبيلة أو العشيرة، أو المذهب أو الأقارب أو ذوي الولاءات الشخصية، فتصبح الجهة الحكومية كالمنزل الخاص أو جمعية أسرية، غالب موظفيها ينتمون إلى فئة معينة أو منطقة معينة، فتقدم الخدمات العامة «الحكومية» حسبما تراه هذه الفئوية، لا على أساس المصلحة العامة والمصلحة الوطنية.
ومما سبق، يتضح أن أسباب السلوكيات السيئة لا تتعلق بالجهل وسوء التربية فقط، وإنما السبب الحقيقي هو غياب الشعور بالمسؤولية العامة، وغياب الشعور النابع من وجدان الإنسان بأنه مسؤول عن مستقبل الوطن، والشعور بالمسؤولية يعدّ الركيزة الأساسية التي تقوم عليها نهضة الدول وحضارتها، وله أثر كبير في التخلص من مشكلات المجتمع، ودور كبير في حلول الأمن والاستقرار بالمجتمع وتحقيق الرفاهية به.