من المواضيع الحساسة التي ناقشها الفقهاء في دورة مجلس مجمع الفقه الأخيرة، موضوع (زواج الصغيرات بين حق الولي ومصلحة الفتاة، ومدى سلطة ولي الأمر في منعه أو تقييده من المنظور الشرعي)، وترشح عن النقاش جملة من القرارات، منها القرار رقم واحد: «المعول عليه في تحديد سن الزواج، هو البلوغ بالسن من الخامسة عشرة، إلى السادسة عشرة».. لن أناقش القرار، خاصة أنه قد صدر، وسيأخذ به من يوفقه الله للأخذ به، ولكني وبكل صراحة، لا بد وأن أذكر بداية، شعور كثير من العقلاء، بأن هناك ضعفا ما، يعانيه بعض الفقهاء، إذا ما طرحت أمامهم القضايا المتعلقة بالمرأة، كهذه القضية الحساسة، ولا شك أن المطالع في قرارهم لن يفهم إلا أن للأب تزويج ابنته، ذات الخمس عشرة سنة، أي التي لم تدخل المرحلة الثانوية، ولن يأتي لذهنه سؤال فقهاء القرار، هل سبق لأحدكم تزويج ابنته وهي في هذا السن، أو أنه مجرد تنظير؟.
أي قارئ للقرار، وللمقال يتبادر لمخيلته زواجه صلوات الله وسلامه عليه، بالسيدة عائشة، رضي الله عنها، وأنها بحسب المشاع «تزوجها وهي بنت سبع، وزفت إليه وهي بنت تسع»، والحقيقة التي تدل عليها المعلومات والمصادر التاريخية الموثقة أنه عليه الصلاة والسلام عقد عليها، وكان عمرها آنذاك (17) عاما، ثم دخل بها بعد عام وأشهر، وكان عمرها آنذاك (19) عاما تقريبا، مع فارق شهور، فلم تكن سيدتنا صغيرة، بل كبيرة بالغة مبلغ النساء في عصرها، وأي تشكيك في هذا يرده القول القوي بأن أهل العلم بالحديث يردون أي نص، إذا كان متنه مخالفا للوقائع والمعلومات التاريخية الموثقة.
ذكر سن الخامسة عشرة، وهو نقطة ارتكاز مقالي، بناء على تقديرات جملة من فقهاء الشافعية والحنابلة وغيرهم، أمر غريب، فهو سن مقارب لسن الطفولة بمقاييس اليوم، ولا أدري كيف يمكن التغاضي عن كلمة {أشده}، في قوله تعالى، في سورة القصص، حكاية عن سيدنا موسى، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى? آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَ?لِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، وقوله تعالى في سورة الأنعام: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى? يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى? وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَ?لِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون}، والتي لم يقل أحد من الفقهاء بأنها أقل من ثماني عشرة سنة.
هنا في المملكة، موضوع تحديد سن الزواج ما زال في حاجة لإنهاءات ومراجعات لتوصيات تمت عن زواج القاصرات، ومعلوم أنه حتى الآن لا يوجد قانون للأحوال الشخصية، والفراغ التشريعي في هذا الأمر موجود، ومرده في نظري، إلى الرغبة في عدم الدخول فيما يظن أنه أمر تعبدي، وربما عقدي، والحق أنه أمر موكول إلى ولي أمر البلاد، وبما يراعي مصلحة الفتاة عند تزويجها، ولعلي هنا أضيف إلى تحديد سن الزواج، (ضرورة تحديد ضبط الفارق بين سن الزوجين)، بألا يكون سن الزوج، مثلا، أكثر من ضعف سن الزوجة، فمن الصعب تصور تمام سعادة فتاة عمرها (18) سنة، قرر وليها تزويجها من رجل يفوق عمره أربعة أضعاف عمرها (72) سنة، إلا لو قصرنا السعادة على القيام بالتطبيب والتمريض، وأغفلنا الجوانب الحقيقية لما يسعد تلك الفتاة.