دأبت ومنذ عدة سنوات على كتابة "كشف حساب" سنوي ابتهاجاً أو حزناً ـ لست أدري ـ بمرور عام كامل بكل أحزانه وأفراحه، إخفاقاته ونجاحاته، تحدياته وطموحاته، 365 يوماً مليئة بالأحداث والمواقف والتناقضات والتداعيات، سواء على الصعيد الشخصي أو الوطني أو العالمي.
بعـد يوم واحـد فقط، يطـل علينا عام 2010.. عام جديد يحتضـنه الدفء والطهـر والنقاء والبياض، لم تلوثه بعد المنغصات والصعوبات والتحديات والأزمات، وهي لا محالة في طريقها إلى هذا الضيف الجديد. عام جديد ننتظره بفارغ الصبر، يحدونا الأمل والتطلع لحياة كريمة وواقـع أفضل يتحقق فيه بعض أحلامنا وأمنياتنا، خاصـة تلك التي أتعبها التأجيل والترحيل عاماً بعد عـام. تمامـاً كما تنشغل البنوك والشركات والمؤسسات في مثـل هـذه الأيام من كل عام بعمل "جرد سنوي"، أو كشف حساب لكل ما أنجز من أعمال وقرارات ومصروفات وإيرادات وأرباح وخسائر. جرد سنوي مفصل يتسم بالدقة والوضوح والشفافية، لأنه سيحدد مدى نجاح أو فشل الخطط والاستراتيجيات التي انتهجتها تلك البنوك والشركات، كذلك يُفتـرض أن يقوم كل منا بعمل هذا الجرد السنـوي الضروري لكل ما قام به من أقوال وأفعال وتصرفات. وكشف حساب شخصي كهذا يُساعدنا على فهم أنفسنا بشكل صحيح، ويرسـم لنا بكـل دقـة ووضوح أولوياتنا الضرورية على كافة الصعد. كشف كهذا يضعنا على الطريق الصحيح بعيـداً عن العشوائية والضبابية والتبعية التي أفقدتنا الاتزان في معظم تفاصيل حياتنا.
وهنا لابد من هذا السؤال: هل حياة كل منا تستحق عمل مثل هذا الكشف الدقيق، أم إن الأمر برمته غير جدير بالعناية والاهتمام، ولنستمتع بالحياة كما هي بفطرتنا وتلقائيتنا بعيداً عن كل تلك التعقيدات والاعتبـارات التي عادة ما تُكبل "حريتنا" وتُعيـق حركتنا الطبيعية؟! بالنسبة لي، الأمر أصبح عادة سنوية، وفرصـة رائعة لمشـروع مقـال جاهز افتتح به عامي الجديد، وكذلك يُغنيني عناء البحـث المضني عن فكرة جديدة يرضى عنها القارئ العزيز.
كشف مختصر كهذا يحتاج إلى عملية تجميع هائلة ثم إلى فرز موضوعي لقائمة طويلة جداً تزدحم فيها الأخبار والأحداث والمواقف والإنجازات والإبداعات والمنافسات والكوارث والفيضانات والحروب والتصفيات والانتخابات، وغيرها الكثير من تلك القائمة الطويلة، التي أحاول أن أجد لها تصنيفاً مناسباً لجدولتها وبالتالي ترتيبها بشكل يتناسب وأهميتها الكبرى أو تأثيرها القوي.
على الصعيد العالمي، سأذكر بعضاً من العلامات الفارقة التي أحدثت ضجة عالمية كبرى خلال العام المنصرم، أهمها تسريبات ويكيليكس التي شغلت ـ ومازالت ـ العالم، والتطرف المناخي الذي بدأ بصـيف ملتهب غطى غالبية دول العالم، وهـا هـو الآن يُفصح عن انخفاض غير مسبوق لدرجات الحرارة تسببت في تعطيل مطارات العالم بسبب تراكم الثلوج، وظهور "الايباد"، هذا اللوح الرقمي الذي يُعتبر ثورة تقنية في عـالم الاتصـال سيغير المفاهيم والأساليب الإعلامية على مستوى العالم، أيضاً أسطول الحرية بكل تداعياته المتباينة فتح وبشكل غير مسبوق ملف القضية الفلسطينية على سطح الاهتمام الإعلامي العالمي.
أما على الصعيد العربي، فيبدو أن الأزمات والاحتقانات لا تفارقه منذ عقود طويلة، فالجنوب السوداني في طريقه للانفصال، والعراق ما زال يغرق في بحر من الفوضى والتمزق والطائفية، رغم بصيص الأمل الذي يُعلق على الحكومة الجديدة التي شُكلت قبل عدة أيام بعد شهور طويلة من الفرقـة والانقسـام والتأزم.
لبنان بفريقيه يسير إلى المجهول. كما فقد العالم العربي بعضاً من رموز الفكـر وأعلام التنوير أمثال المرجع محمد حسين فضل الله والمثقف الكبير محمد أركـون والمفكـر نصر حامد أبو زيد والمفكـر الكوني محمـد عابد الجابـري والأكاديمـي الكويتي أحمد البغدادي، فقط قطر تبعث بعض الأمل بفـوزها بتنظيم كأس العالم في عام 2022.
وعلى المستوى الوطني، فشفاء خادم الحرمين الشريفين يتصدر الأحداث المهمة التي أسعدت المواطنين، واستمرار برنامج الابتعاث الخارجي الذي يُعد الأهم والأضخم في تاريخ هذه الأمة، ودخول الجامعات السعودية في القوائم العالمية لتصنيف الجامعات المميزة بعد أن كانت قبل عام تقريباً خارج التصنيف، مما أثار الجدل واللغط والتشكيك حول هذا التحول السريع.
كما فقد الوطن علمين استثنائيين هما الدكتور غازي القصيبي والدكتور محمد عبده يماني.
أما على الصعيد الشخصي، فيكفي أن عمري قد زاد رقماً آخر، وهو يتجه الآن إلى منحنى الأرقام الكبيرة والخطيرة. أيضاً فقدت أبي وضيفاً خفيفاً رحل سريعاً عن هذا العالم، وقد كانت مفردة "رحيل" هي العنوان الكبير لحياتي خلال العام الماضي.
القائمة طويلة جداً، ولا يمكن حصـرها، فقط تلك عينـة بسيطة رصدتهـا على عجل من كشف الحساب السنوي الخاص بي لعام 2010، ولكن ماذا عنك أنت عزيزي القارئ، هل لديك كشف حسـاب خاص بك، أم إن الأمر لا يستحق ذلك؟ على كـل حال، كـل عام وأنت بخير.