في الغرب دائما يستعدون لاستقبال ما يسمى عيد «الهالوين»، الذي يحتفلون به يوم 31 من أكتوبر، وهو موعد ثابت في كل عام، فيقومون بشراء الحلوى من أجله، ويحضرون الأزياء ويرتدونها للتنكر بها في هيئة ساحرات شريرات، أو أشباح ذات أشكال مرعبة ومخيفة، فهو يسمى عيد «الفزع» عند بعضهم، ويضيئون المصابيح التي تكون على هيئة «القرع» أو ما يسمى باليقطين في بلدان أخرى، ويذهب الأطفال الصغار إلى المنازل حيث يقرعون الأبواب وهم يطلبون الحلوى من أهلها، ولديهم اعتقاد يؤمنون به، إذا لم يُعطوا من الحلوى فسوف تقوم بمطاردتهم الأرواح الشريرة، هذه الطقوس التي يمارسونها في الغرب، وتكون مصاحبة لهذا العيد عندهم، هي قطعا لا تمت لنا بصلة لا في أعيادنا التي نعرفها، ولا في تقاليدنا الاجتماعية، ولا حتى لما نؤمن به أو نختلف حوله معهم من الناحية الدينية، (إذا) ما الذي دعا فئة من المراهقين عندنا بالأمس إلى الاحتفال بهذا العيد، ولماذا نسمع أصواتا تنادي للاحتفال بهذا العيد، وهم يكادون لا يعرفون أصوله، ولا من أي تراث قدم، أو مصدر ثقافته، وقد لا يحسنون نطق اسمه؟ إنها الرغبة في التقليد الأعمى «مع الخيل يا شقراء، أو كما يقال كالأطرش في الزفة»، شاهدوا من يحتفل بالهالوين لأنه جزء من طقوسه في الغرب، شاهدوهم وهم يرتدون ملابس تنكرية، ويقومون ببعض الحركات والرقصات، فقاموا بتقليدهم.

أشير هنا إلى أمر يجب الالتفات إليه في هذا الموضوع، ونحن نتناوله، سواء ما يتعلق بعيد الهالوين، أو بالأعياد الأخرى مثل «الكريسماس، عيد الحب أو فلنتاين، عيد الأم والأب وغيرها»، التي هي أعياد دخيلة على ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، أن هناك من يحاول أن تسري تلك الأعياد في مجتمعنا، وتصبح جزءا من ثقافتنا (وهم من يقفون خلفها ويعدون العدة لإقامتها وتنظيمها، وقد يضعونها ضمن برامج الترفيه)، وهدفهم من إقامتها، من أجل العمل على تطبيعها بين الأجيال الحاضرة، حتى تصبح من الأمور الاعتيادية في حياتهم، ويصلون إلى قناعة أنها جزء من ثقافتهم، أو من صميم تقاليدهم، وأنها لا تخالف دينهم أو معتقدهم، حتى تصبح جزءا من العادات والتقاليد السنوية التي يحرصون عليها كل عام، وينتظرونها بشوق واستعداد، وتصبح وكأنها جزء من شخصيتهم وهويتهم، حتى وجدنا من بني قومنا من يحتفل برأس السنة الميلادية، ويمر عليه مولد العام الهجري الجديد، وهو لا يعبأ به ولا يدري!

ولذلك يجب على الجهات المسؤولة الأخذ على أيدي هؤلاء الذين «ينظمون لها ويدعون إليها»، فليس من أهداف من يقف وراءها «المحافظة على الهوية الإسلامية عند الناشئة لأبناء المجتمع»، ولا يهمهم ذلك الأمر إن أصبح عندنا جيل جاد أو «جيل إمعّة» يسهل تغريبهم، وتجريدهم من هويتهم العربية والإسلامية، واختطافهم، وتلقينهم أفكارا جديدة، لا تتفق مع دينهم بوسطيته الجميلة، الذي يدعو الإنسان إلى طاعة ربه بلا غلو أو تطرف ولا انحلال، ويدعوه ألا ينسى نصيبه من الدنيا التي أتى إليها ليعيش بجمال النفس والأخلاق والعمل ويعمرها، فهو في الدنيا ليس إلا كعابر سبيل، ولا تمت مع تقاليد مجتمعهم، ولا عاداتهم الأصيلة، تحت مزاعم «التنوير والتحضر وعدم الركون إلى التخلف والجمود والرجعية ومشاركة الآخرين، وإظهار التسامح».

لماذا أتوقف عند هذا الحدث الذي يواكب الـ31 من أكتوبر، وأقصد عيد الهالوين، وأحذر من عواقب الانفلات الأخلاقي، وأمارس دوري التربوي والتوجيهي عبر تلك المقالات تجاه أبناء وطني، لأن المجتمع يبني مستقبله على أجياله القادمة، فكما قيل «والبيت لا يبتنى إلا له عمد... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد»، إذا لم ينشأ الجيل على عمد من البناء الديني الأخلاقي القيمي الملتزم بهويته الإسلامية والعربية والمعتز بهما، سيسقط لا محالة في وحل من الانحرافات، وسيسهل عليه فقد هويته والتخلي عنها وعن قيمه ودينه، وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي يحاول بعضنا ألا نصدقها ولا نتحدث حولها، بينما نحن نشاهد من يتآمر على أوطاننا، وعلى شبابنا، بالعمل على جرهم إما إلى دروب الإرهاب وخلق رماح عدوانية منهم تعود إلى صدور بني جلدتهم وأوطانهم لتشويه دينهم، وقد اكتوينا بنار من انحرف عن الإسلام الوسطي، أو بجر الشباب إلى مهاوي الردى والانحلال الأخلاقي، وإغراقهم بالمخدرات والمسكرات وأفكار التغريب، ودعونا نتوقف عند ذلك الحديث الشريف، فسوف يكون من أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- أقوام ينحرفون عن الحق صوب الباطل، يغيرون ويبدلون، وعقوبتهم أنهم سيُحجزون عن الحوض حينما يَرِده الذين استقاموا ويشربون منه، الحديث قال عليه الصلاة والسلام: «أنا فرطكم على الحوض، وليُرفعن إليَّ رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم، اختلجوا دوني فأقول: أي رب! أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وفي رواية: «فأقول سحقاً لمن بدَّل بعدي».

يجب أن يعرف أولادنا أن كثيرا من تلك الطقوس والأعياد التي يروج لها أعداء الدين والوطن، ويحاولون تمريرها، وتهوين العمل بها، وأن ذلك يعدّ من باب مشاركة الآخرين أعيادهم، أنها ليست من صميم ثقافتنا، ولا من تقاليدهم ولا من واجباتهم الدينية، فهي تخص أصحاب الديانات الأخرى، بعضها تكون وثنية وهندوسية وبوذية ومسيحية، وبعضها تحمل طقوسا قد تحمل مخالفات شرعية، كاعتقادهم أن شجرة عيد الميلاد تعني الحياة السرمدية، ديننا العظيم الدين الإسلامي في كماليات الحياة وجمالها، هو الدين الذي يجب أن ينمو إحساس العزة والأنفة به وبتعاليمه، ولو عرف الجيل الحاضر دينهم حق المعرفة وربيناهم وفق قواعده، وعملوا بفضائله، والله لجنبوا أنفسهم وجنبنا مجتمعنا شر الوقوع في الكثير من الانحرافات وبراثن الإرهاب، لأنهم بالفهم الصحيح لدينهم الفهم السليم لن يقعوا فيما قد يتخالف معه، ورحم الله شوقي حين قال «صلاح أمرك للأخلاق مرجعه... فقوّم النفس بالأخلاق تستقم».