يقول الله سبحانه وتعالى" إنا كل شيء خلقناه بقدر"، فالأرض تدور حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة، وهي نفسها تدور حول الشمس مرة كل عام تقريبا، والقمر لا يدور حول نفسه ولكنه يدور حول الأرض مرة كل 29 يوما وربع اليوم. حركة المد والجز في البحار والمحيطات مرتبطة بحركة كل من الأرض والقمر، فيرتفع مستوى المياه السطحية للبحار والمحيطات مرة كل ست ساعات، أي أن المياه السطحية للبحار والمحيطات ترتفع وتنخفض أربع مرات في اليوم الواحد طالما بقيت الأرض تدور حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة، وطالما بقي القمر يدور حول الأرض مرة كل تسعة وعشرين يوما وربع... سلوك الحيوانات والنباتات البحرية سواء كان سلوكا تزاوجيا أو سلوكا غذائيا مرتبط ارتباطا وثيقا بسلوك المد والجزر. هكذا خلق الله الكون وفق قوانين ونواميس دقيقة ومعقدة تتجلى فيها قدرته وعظمته، فسبحانك ربي لا إله إلا أنت. وكذلك هو الحال بالنسبة لجميع النظم البيئية، فأي تغيير يحدثه الإنسان في هذا النظام سواء كان بالزيادة أو النقصان سيكون له انعكاسات سلبية خطيرة على هذه النظم وجميع المجتمعات الحية التي تعيش فيها، لذلك نحن كبيئيين نرفض السلوك المهين الذي تتبعه العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية في تصريف مياه الصرف الصحي في مياه البحر الأحمر وحفر وردم وتجريف شعابه المرجانية، الأمر الذي تسبب في انقراض الكثير من المجتمعات الحيوانية والنباتية. قطع أشجار الغابات في النظم البيئية للمناطق الجبلية وغير الجبلية تسبب أيضا في انقراض العديد من الحيوانات الفطرية في هذه النظم البيئية.

دخول أنواع جديدة من الحيوانات والنباتات إلى نظمنا البيئية أيضا تسبب في إحداث خلل في التوازن البيئي، خاصة في مدينة جدة، فالفئران الكبيرة التي تنتشر في منطقة الكورنيش والعديد من أحياء مدينة جدة من الحيوانات الدخيلة علينا والتي زادت أعدادها بصورة كبيرة وأصبحت تمثل تحديا صحيا كبيرا على سكان مدينة جدة، فمن المعروف عن هذه الحيوانات نقلها لمرض الطاعون الذي تسبب في مقتل أكثر من 25 مليون نسمة في أوروبا في بداية القرن التاسع عشر، وهذه الفئران نقلت إلى نظمنا البيئية عن طريق السفن التجارية. وهذه المشكلة ليست مقتصرة على المملكة العربية السعودية، بل أصبحت هاجس جميع دول العالم، ولا يتسع المقام في التوسع في ذلك، ولكن ما أردت أن أوضحه هو العلاقة بين انتشار الغربان الدخيلة التي قدمت إلينا منذ ثلاثة عقود عن طريق السفن التجارية من جنوب القارة الآسيوية، وانتشار حمى الضنك التي تسببت في مقتل العشرات في كل من مدينة مكة ومدينة جدة، واستنزفت مقاومتها أكثر من ألف مليون ريال.

أولا قبل أن أشرح هذا الموضوع أتوجه بالشكر لأمانة مدينة جدة على جهودها المثمرة في مقاومة هذه الغربان، ولا يعنيني حجم ما أنفق على مقاومة انتشار هذه الغربان، ولكن ما يهمنا في هذا الشأن النتائج الجيدة التي أحرزتها أمانة مدينة جدة, كما أتمنى من أمانة مدينة جدة الاستمرار في وتيرة هذه المقاومة بصورة فعالة، لأن إيقافها يعني عودة انتشار هذه الغربان مرة أخرى.

وقد يسأل القارئ : ما علاقة انتشار الغربان بتفشي وباء حمى الضنك في مدينة جدة؟ الأمر في غاية البساطة، تذكرون العصافير الصغيرة التي يطلق عليها اسم العصافير الدورية، ومفردها العصفور الدوري، ويطلق عليها باللغة الإنجليزية اسم House Sparrow وعلميا يطلق عليها اسم (passer domisticus) التي كانت تنتشر في جميع أركان مدينة جدة، فتجدها تارة في أشجار النيم وتارة أخرى في شقوق المنازل.. هذه العصافير كانت تلعب دورا بيئيا مهما حمانا لفترات طويلة من انتشار حمى الضنك.. تعرفون لماذا؟ لأن مثل هذه العصافير الصغيرة تتغذى على الحشرات ويرقات الحشرات، خاصة البعوض ويرقات البعوض، وبعد دخول الغربان إلى مدينة جدة منذ ثلاثة عقود تقريبا كانت هذه العصافير وبيضها في قائمة الغذاء الرئيسية لهذه الغربان، مما تسبب في انقراضها فلم نعد نراها ونشاهدها كما اعتدنا, هذا الأمر بالطبع تسبب في انتشار البعوض، خاصة البعوض المتسبب في نقل وباء حمى الضنك، ولكن ما هو الحل؟ الحل كما أراه هو في يد المسؤولين في أمانة مدينة جدة! وهو بكل بساطة إعادة توطين هذه العصافير مرة أخرى في مدينة جدة، وهذا أمر في غاية السهولة, فيمكن توطين على الأقل 100 ألف عصفور نستوردها من القاهرة التي تعج أشجارها بهذه العصافير، وفي خلال شهور يتحول هذا الرقم إلى أرقام فلكية، بشرط أن نتخلص تماما من الغربان الدخيلة, وعلى فكرة هذه العصافير تنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط ويمكن استيرادها من أي دولة من دول الشرق الأوسط أو حتى نستوردها من مناطق أخرى من المملكة، لأن الشيء المفرح أن هذه العصافير تنتشر في جميع بقاع الأرض. فما رأي أمانة مدينة جدة في ذلك؟