لعقود من الزمن لم يمر على المشهد الثقافي السعودي أكثر من تطرف الأصوليين والقوميين. ورغم أن الفارق كبير بين (الماضويين والتقدميين) إلا أن بينهما مشتركات كثيرة كالراديكالية، وحدة الطرح، وعدم قبول الرأي الآخر. ولكن يبرز القاسم المشترك الأكبر بينهما عند الاختلاف معهما. «فكثير» من الأصوليين يريدون فرض آرائهم الفقهية أو المذهبية على الجميع، بحجة أنها الحق المطلق، وأنهم يتحدثون باسم الله. لذلك فكل من يختلف معهم فهو مشكوك بدينه وعقيدته، وقد يوصف بالمنافق والخارج عن الأمة الإسلامية. ويحاربونه «ويجاهدون» في محاربته.
كذلك الحال مع كثير من القوميين. يخاطبون الناس بناء على قيم ومبادئ وأحلام يعتقدون بأنها هي خارطة الطريق الوحيدة لمستقبل شعوبنا من الخليج إلى المحيط. ومن يختلف معهم فهو إما جاهل أو صهيوني أو عميل وعار على الأمة العربية. ويحاربونه و«يناضلون» في محاربته.
الآن خَفت شمس الأصوليين والقوميين، ولكن كالعادة فالساحة لا تبقى فارغة في صراع التيارات. ولذلك ظهر لنا اليوم تيار جديد. شاب وقّاد، متحمس، يقوده مجموعة من المشاهير في برامج التواصل الاجتماعي. يحبون وطنهم ويدافعون عنه، ونجحوا في ذلك خاصة بهذه الأزمة التي نمر بها، إلا أن «بعضهم» لا يختلفون عمن خَفت شمسهم. فمن لا يردد شعاراتهم ولا يتفق مع منهجهم وأسلوبهم في طريقة حبهم للوطن فهو إما خائن أو مشكوك بولائه ووطنيته! يشعرونك بأنهم هم فقط من يحبون الوطن.
بل إن بعضهم وصل به الحال لاستنطاق الناس واستجوابهم، وكأننا بمحاكم تفتيش علنية لاختبار الوطنية.
في الأزمات من الواجب علينا أن نتوحد ونقف جميعا مع الوطن دون تشكيك وتفرقة لصف وحدتنا. ندافع عن الوطن بكل القيم النبيلة التي بُني عليها وطننا الغالي، وكل الأخلاق العظيمة التي ورثناها عن أجدادنا، وتربينا عليها كسعوديين.
كلنا نحب الوطن، ولكن لا للمزايدات.