ما مرّ بنا في الفترة القريبة الماضية لن نقول عنه أزمة واحدة، بل عِدّة أزمات تجمعت لتشكل ضغطا كبيرا على قيادات الدولة والشعب كذلك، وإن كانت بالقوة بحيث شكلت صدمة وخيبة أمل في بعض من منحتهم القيادة الرشيدة الثقة ليكونوا ممثلين جيدين لوطنهم في الخارج، ومسؤولين مؤتمنين في الداخل، إلا أنها كشفت بعدا آخر لعمق العلاقة بين الشعب السعودي وقادته الذين كانوا أقوى من كل الأزمات والمؤامرات التي حيكت لهم من قبل دول وجماعات تترصد بنا، ظنا
منها أن اختراق الصف وإثارة الفوضى سيكونان سهلين، الحادثة وقعت وكانت شنيعة ومستهجنة من الجميع، والمملكة كانت بالحكمة والقوة، بحيث كشفت للعالم أجمع وبشجاعة حيثيات القضية والمتسببين فيها، وتوعدت كل من شارك بالعقاب، وكانت الشجاعة في كشف الحقيقة هي الدلالة الأقوى على موقف المملكة العربية السعودية، ونهجها الثابت في محاربة الإرهاب بكل أنواعه، سواء كان من جماعات ذات منهجية معينة، أو من أفراد استغلوا مناصبهم الوظيفية كمعين على العنف والقتل.
وعلى الرغم من إعلان الحقيقة وشجب واستنكار الفعل إلا أن عداء بعض المرتزقة وتحريضهم ما زال قائما، متجاهلين مئات الأبرياء والضحايا حول العالم، القسم الأكبر منهم كانوا هم وراء ما حدث له من قتل وتشريد، وحملتهم لن تقف، بل ستزداد يوما بعد آخر، وعلينا نحن أن نكون الند الأكثر تأثيرا، ليس في نشر الأقاويل المضللة وإنما بالعمل الجاد لمعالجة القضايا التي نحسبها خفت بعد حزمة الإجراءات الإصلاحية التي طبقتها المملكة، ولكن يبدو أن هناك من القضايا والأشخاص الذين لم يغيروا من نهجهم، بل يحسبون التغيير فترة مرحلية ثم تعود الأوضاع إلى سابق عهدهم، وحتى يحدث ما يتأملون، فهم في كل يوم يرتدون قناعا ويسلكون طريقا ملتويا يحقق لهم بعض المكاسب، ويستر أفعالهم أن تفتضح، محاربة هؤلاء تحتاج منا إلى الجهد والمتابعة في تطهير البلد من تلك النماذج الفاسدة، والتي تسببت في ضرر البلاد والعباد، وأعدادها مع الأسف ليست بالقليلة، بل كثيرة، وهذه حقيقة مؤلمة، لكن ليست بالصعوبة بل نستطيع مجابهتها، أنظار العالم كلها تتجه إلينا، والسبب أن المملكة دولة لها ثقلها وتأثيرها السياسي والاقتصادي، ومن الطبيعي جدا أن يكون هذا التركيز -غير الطبيعي- أن يتجاهلنا العالم، قد يزعجنا هذا التركيز، لكن يفيد في اكتشاف بعض المشاكل التي ما زلنا نعانيها، بطبيعة الحال لن نكون مجتمعا أفلاطونيا، بل مجتمع إنساني لديه النقيضان، الإشكالية في تغلب الأسوأ على الأفضل، وبحكم أننا مجتمع عاطفي فهناك من يستغل ذلك الجانب ليمرر سوءه تحت أي غطاء، وهذا ما جعل الكثير من القضايا والمشاكل تكبر وتستفحل دون أن يتم الكشف عنها، لأن من تبنى ترويجها جعل لنفسه ستارا ليس من السهل اكتشافه، وهذا ساعده في الانتشار والتخفي، ومن هنا نماء التطرف والإرهاب والفساد وغيرها الكثير من القضايا التي قد نعاني كثيرا حتى يمكن أن نقضي عليها، وإن حققت المملكة تقدما ملحوظا في محاربة بعضها، وذلك لظهورها على السطح، مما ساعد في عملية تتبعها ومن يقف خلفها، ولن نغالي لو قلنا إن كل دائرة أو مؤسسة تحتاج إلى فريق رقابي يتابع تعاملاتها السابقة واللاحقة، ليكتشف المخالفات وقضايا الفساد التي تمرر من تحت الطاولة وبأشكال وبنود غريبة.
هيئة مكافحة الفساد مشكورة تبذل جهدها، لكن القضية عميقة ومتجذرة، وأربابها من الصعوبة اكتشافهم، والغريب أن بعض هؤلاء يحاول بكل ما أوتي من قوة رمي خبثه على الغير، وأن هناك مؤامرة حيكت له وهو بريء براءة الذئب من دم يوسف، ومصيبتنا ستكون أكبر إن صدقنا أو تعاطفنا مع هذه النماذج، والحل هو محاسبتها ثم تضييق الخناق على البقية، ومن كان تحت طائلة الشك نحذر كل الحذر من الوثوق به، والكارثة في قضية الفساد أن من أدينوا بها ليسوا أشخاصا بسطاء والحاجة من دفعتهم لذلك الفعل، بل شخصيات لها حضور قوي، اليوم ونحن وسط هذا الزخم الإعلامي المركز علينا، لا بد أن نكون أقوى وأكثر إصرارا على محاربة كل القضايا التي تعيق تقدمنا، أو تجعل العالم يشك في أننا ضد القيم الداعية للسلام والحفاظ على حرية الإنسان وكرامته.