يحب الماليزيون رئيس وزرائهم مهاتير محمد لدرجة أظنها تصل إلى التقديس، أيقنتها وأنا أخبر زملائي الماليزيين أني حضرت لقاء شيقا معه.

إنه بالنسبة لهم المعلم والقائد والمنقذ أخيرا من الفساد، على كل حال مهاتير مثل معظم القادة في العالم الإسلامي يسقطون في فخ إغراء ما يجلبه التأثير الشخصي على البلاد، ولا ينشغلون ببناء المؤسسة، فتسقط بلادهم حين يغادرون الكرسي، والجميع يغادر كما تعلمون.

في اللقاء الجميل اللندني والذي منحه مهاتير لأعضاء تشاتم هاوس في طريق عودته من نيويورك إلى ماليزيا، ابتدأ حديثه بقوله البعض هنا يسميني الديكتاتور تصوروا اليوم الديكتاتور قادم إلى لندن ليتحدث عن الديمقراطية.

هذه الدعابة مقصودة جدا من الرجل التسعيني الذي لم يبدُ بهذا العمر أبدا، بل بدا ألمعيا واثقا من قوة جاذبيته، وهو يتحدث للصحفيين البريطانيين بنصف ابتسامة وقدرة هائلة على الخروج بأقل خسائر المصارحة، وهو يتحدث عن الفساد وحربه عليه عن أصدقائه الأعداء الذين أدخلهم السجن ثم أخرجهم، عن القرآن والحريات، عن تذكير الرأي الغربي أننا نتفق في القيم ونختلف في الخطوط.

الصحفيون كانوا مهتمين بسؤاله عن السعودية، وكان هو مسلما جيدا وهو يذكرهم بعلاقة الصداقة والأخوة بيننا، لكن كل الأصدقاء يؤمنون بحقك في فرض قوانينك على من يقبع في حدودها، لكنه بدا غريبا وهو يجيب عن تأثير الثقافة الدينية السعودية على ماليزيا، بدا كأنه -حسب فهمي- يفرق بينها وبين ما في القرآن، رغم أنه لا توجد آية في القرآن تقبل مثلا ببعض ما مثل هو نفسه به، كتقاليد ماليزية تحكمها العقول المنفتحة.

لكن كما تعلمون عادة الكثيرين يستهويهم نسبة بعض أحكام الإسلام للتشدد، رغم أنها جزء من جوهر الدين، وهذه قضية كبيرة جدا لها مقالها.

عندما غادر قال جاري في المقعد -وهو كاتب مخضرم في الجارديان- هل يستحق الإعجاب؟ قلت قطعا ما دام استطاع جعل رجل إنجليزي يتساءل عن ذلك.