جوجل، أبل، هيلتون، كوسكو، إيرنست آند يونج، برايس واتر هاوس كوبر، هول فوودز، ستاربكس، وغيرها، بحسب تصريح أحد أكبر مواقع التوظيف في العالم Glassdoor هذا العام بأن هذه الشركات وغيرها توقفت عن طلب الشهادة الأكاديمية في طلبات التوظيف. وليس فقط للشواغر التي لا تتطلب خبرة، بل للمهام التنفيذية والإدارية أيضا.
بالتأكيد، هذا التعميم محدد بمناطق جغرافية في الوقت الراهن. فبعض فروع هذه الشركات في المملكة ما زالت تطلب الشهادات الأكاديمية، ولكن ما هي إلا مسألة وقت حتى يتجه سوق العمل تدريجيا للتوقف عن المطالبة بالشهادات الأكاديمية. فلماذا اتجهت شركات رائدة عالميا لهذا المنحى؟ وهل سنرى موجة أكبر من العزوف عن الشهادات الأكاديمية؟ هل فقدنا الثقة في «شهادة» الجامعة بمستوى خريجيها؟ أم أن هذه الشركات أثبتت أن لا علاقة بين جودة الأداء ومواصفات الشهادة؟ أربع نقاط أعتقد أنها مسببات التوجه نحو هذا القرار.
أولا: توجه سوق العمل للاهتمام بالمهارات والسلوك بصورة أكبر من الاهتمام بالمعرفة العلمية. يقيس مسؤولو الموارد البشرية المرشحين لإنجاز مهام الشركة بحسب ثلاثة عناصر، القيم والمعارف والممارسات. ولكل عنصر طرق للقياس. فإن اضطر المسؤول إلى المفاضلة بين الخبرة والمعرفة، فأيهما سيختار؟
ثانيا: معدل التخرج يعكس مستوى المعرفة، وكان من الصعب سابقا قياس جودة الممارسة والمهارات. اليوم توجد شركات كبرى متخصصة في قياس السلوكيات ومعرفة قدرة الموظف على حل المشاكل، التعامل مع الضغوطات، التفكير النقدي، وغير ذلك من المهارات المهمة لرب العمل.
ثالثا: التوجه العالمي للبرامج التدريبية عن بعد يزداد عاما بعد عام. شركة رواق السعودية من الشركات الرائدة في هذا المجال بالمملكة، وغيرها من الشركات. وعالميا بدأت أفضل جامعات العالم تشارك برامجها في منصات التعليم عن بعد مثل كورسيرا وإيد-إكس وغيرهم. وانضمام جامعات مثل هارفرد وستانفرد وكولومبيا وغيرها دليل على أن هذا توجه العالم الجديد. وما يعنيه ذلك أن التعلم الأكاديمي غير مرتبط بفترة معينة على الطالب التفرغ للحصول لها، إنما عملية مستمرة حسب الحاجة.
وأخيرا، يمتلئ سوق العمل بالشركات، ولكل منها كفاءات مختلفة الصفات. إن استطاعت كل شركة أن تنشئ مدارسها وجامعاتها الخاصة لفعلت، ففي نهاية المطاف مسؤولو الشركة هم الأكثر علما بالمعارف والمهارات المطلوبة في شركتهم. شركة جنرال إليكتريك اشتهرت بالبرنامج التدريبي للعام الأول، بحيث يحصل كل موظف جديد -من أي منطقة في العالم- ببرنامج تدريبي مكثف في مناطق مختلفة في العالم، ليتعرف على أنظمة الشركة ويمتلك المعرفة والمهارات التي تحتاجها الشركة. وكذلك تفعل شركة شلمبرجير وشركة أرامكو السعودية. ولكن هذه شركات ضخمة تستطيع تحمل هذه التكاليف. فهل سيتجه تعليمنا لتنظيم برامج تدريبية تدعم احتياجات سوق العمل؟
الجامعات مصدر مهم للمعرفة، ولا أعني من كلامي عدم أهمية المدارس أو الجامعات، بالعكس هي مهمة جدا، ولكن إن فقد القطاع الخاص ثقته في قيمة الشهادة فلن يطلبها من المتقدمين، وبذلك سيقل الطلب على المدارس والجامعات. وليس الحل في إغلاقها، ولكن في إعادة قيمتها بتوجيه المحتوى وطرق التدريس بما يؤهل مخرجات التعليم للإنتاج في الحياة العملية.