ما زال المعلم وفي ظل الاحتفاءات الباهتة باليوم العالمي لتكريمه يبحث عن قرارات لا شعارات تعيد إليه بعض هيبته أولا، ثم تزيد من دافعيته وإقباله على المهنة، وتعيد إلى المهنة مكانتها بصفتها أنبل وأهم المهن على الإطلاق، فمن يستطيع أن ينكر أن جميع المهن الشريفة الأخرى أساسها المعلم؟!

إن المعلم في هذا الوطن المعطاء لا يبحث عن تقديس من نوع غير مسبوق في العالم، لكنه يبحث عن بعض المميزات التي تليق بمهنته، ودوره المهم في بناء الأنفس والعقول التي ستؤثر فيما بعد في المسيرة التنموية لهذا الوطن، إنه يسعى إلى رفع بعض القرارات التعسفية التي قيدته حتى في إعداده لدروسه وتحركاته في فصله، وأداء رسالته في جو مريح نوعا ما، وإلى النظر بجدية وواقعية في مطالبه ابتداء بالأساسية من تلبية ضرورات النقل والتعيين على أقل الرغبات ضررا وعلى الدرجة المستحقة، واحتساب سنوات الخدمة للمتعينين على بند، وانتهاء بأمنياته المتمثلة في توفير بدل العلاج وبدل السكن، وزيادة مكافأة نهاية الخدمة.

إننا بكل أسف لا نرى إلا تنافسا محموما بين من يملكون القرار على تحرير الأوامر والتعاميم التي لو جمعناها كلها لخرجنا بالربع منها يقيم صُلب التعليم، والمتبقي ما هو إلا قشور لا تسمن ولا تغني من جوع. فلماذا لا تنصرف الجهود إلى الأولويات؟! وما الذي يمنع من إعادة النظر في هذا الجانب والحكم بإنصاف؟! إن المعلم بحاجة إلى حوافز مادية ومعنوية تدفعه أكثر للإبداع، لا إلى مزيد من التعاميم وسحب الصلاحيات، فكما ترى الوزارة الموقرة أن الطالب محور العملية التعليمية، وتصب معظم قراراتها في صالحه -ولا نقلل من أهمية ذلك- فإن المعلم هو الدائرة التي تلتف على هذا المحور وتدور عليه، فكيف سيكون هذا الالتفاف والدوران والمعلم محاط بظروف مربكة تصطدم بأهداف ورؤية التعليم أولا ثم بأهدافه ورؤيته الشخصية ثانيا؟!

عندما يكلف المعلم بتدريس مادة غير مادته، أو يكلف بتدريس عدة مناهج مختلفة، ويزج به مع خمسين طالبا في فصل يكاد يكون منعدم التجهيزات، والصلاحية، ثم فوق ذلك يطالب بتطبيق إستراتيجيات التعليم والتقويم الحديثة! وعدم التبرم والانزعاج!! فإذا نبس بكلمة امتعاض وصف بأنه لا يتقبل التوجيهات، ولا يتصف بالمرونة، ولا يتحلى بأخلاق المهنة، بينما لا يعين مسؤول في وزارة التعليم أو إداراته إلا وقد جُهز مكانه بأرقى التجهيزات ووفرت كل السبل اللائقة.

فأيهما أولى بالنظر والاهتمام؟؟

إننا لا نقلل من قيمة أي موظف ولا ننكر حقه في توفير كل ما يليق بمكانته، لكننا بالمقابل نطالب بالنظر في وضع المعلم كونه اليد المنفذة لخطط الوزارة، والمتحكم في مخرجات التعليم التي تدندن عليها، فإما ربّان يدافع عن السفينة ويبحر بها نحو بر الأمان، وإما يخرقها فيغرق أهلها.

ولو كنت أمام تغيير الحِكم لقلت: قل لي من علمك أقل لك من أنت.

وختاما نقول، لا يزال البحث جاريا عن يوم معلم حقيقي يظفر فيه المعلم بالتكريم اللائق، ويُنظر في مطالبه بجدية وعدالة.