نواجه جميعنا كأفراد وكمؤسسات الكثير من المتطلبات والحاجات الضرورية لحياتنا ولتطلعاتنا بصفة عامة، وذلك يشمل ما كان منها مطلوبا على المدى القريب أو البعيد، أو ما هو مهم منها، وما هو أقل أهمية، وما هو ثانوي، وعليه فإنه من البديهي أن نرتب جهودنا ومساعينا ونفقاتنا صوب الأهم منها، وأن يتم تركيز اهتماماتنا نحو ما يستحق الأولوية منها في الإنجاز، وذلك علاوة على الالتزام بالمعايير الضابطة لضمان تحقيق المستهدفات وتنظيم التوجيه الكفء لجهودنا المبذولة، وبذلك نكون قد وضعنا اللبنة الأولى في طريق النجاح والإنجاز.
من جانب آخر، فإن استكمال مسيرة النجاح يقتضي وضع خطة شاملة رئيسية لما ننوي إنجازه محكومة بفترة زمنية محددة، تتلاءم مع حجم البرنامج أو المشروع، وما يتطلبه من جهود ونفقات وغيره، ومن المنطقي كذلك أن تتسلسل مكونات الخطة تراتبيا بناء على أهمية وأولوية المتطلب المستهدف، وعلى ذلك تُبنى خطة عمل تفصيلية لتنفيذ تلك البرامج بما تتضمنه من آليات وإجراءات مختلفة خلال مدة زمنية مدروسة وملائمة، وعليه تكون المتابعة لمستوى الإنجاز لكل متطلب أو برنامج، ويكون التقييم لحجم الإنجاز لكل منها، وفق معايير ومؤشرات لقياس حجم الإنجاز الفعلي والمتوقع، وبذلك يمكننا تحقيق نقلة نوعية في أسلوب وآلية معالجتنا لكثير من تحدياتنا اليومية والمؤسسية والتي تختلف في تعقيداتها وتفاصيلها.
وفي هذا الجانب، تتوارد إلى مسامعنا وأبصارنا يوميا، الكثير من التصريحات لمسؤولين في وزارات للعديد من البرامج والمشاريع المختلفة، والتي يتابعها المواطن بشغف واهتمام أملاً في تحقيقها وترجمتها إلى واقع يلمسه ويعيشه، وبما يتلاءم مع تطلعات الوطن والمواطنين، ولكن للأسف سرعان ما تتكشف الحقائق التي قد تستغرق سنوات أو شهورا ليكتشف المواطن أن كثيرا من تلك التصريحات إنما هي للاستهلاك الإعلامي والترويج لنشاطات وبرامج قد لا تكون مدروسة، أو لم توضع لها الخطط التنفيذية الملائمة، أو أنها كثيرة في عددها وكبيرة في جهودها بما يحول دون إنجازها، أو أنها مجرد تصريحات لإثبات الوجود الرسمي على الساحة، أو غير ذلك من العقبات التي تحول دون تجسيد ذلك في مشروعات قائمة فعليا، أو بلورتها في منجزات تشكل أولوية تنموية لواقعنا، ليُبنى عليها غيرها من البرامج اللاحقة بها.
وفي ذلك الإطار عندما نتابع تصريحات وزارة التعليم عن برامجها ومبادراتها المختلفة التي لا تنقطع يوميا تقريبا -وقد أشدنا ببعضها- إلا أننا نتعجب من كثرة تلك البرامج والمشاريع وورش العمل وبما تتضمنه من تشعب في مواضيعها، بأنها حتى الآن وعلى مدى سنوات، لم تستطع أن تُسجل إنجازا حقيقيا يُذكر في تطوير جودة التعليم ومستوى عطائه، أو أن تقدم تطورا ميدانيا ملموسا يُحسب لها، وذلك على الرغم من التصريحات القوية والوعود المطمئنة في تطوير المنظومة التعليمية بكافة مكوناتها.
وعليه فإن السؤال المطروح، ما المردود الملموس لذلك الكم من البرامج والمشاريع؟ نعلم أن بعض الجهود والبرامج تحتاج لفترة زمنية حتى تتضح جدواها وتطرح ثمارها، إلا أنه مما يجب إدراكه أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه مسؤولي التعليم كإشكالات كبيرة ما زالت تؤرقنا، لكونها من الأولويات التي يفترض أن الوزارة توليها جُل اهتمامها، لتحتل مكان الصدارة في الأهمية لبرامجها التنفيذية ومشاريعها السريعة المطلوب تفعيلها بشمولية تامة وفي جميع المناطق، بحيث لا تتركز معظم برامجها وخدماتها ومتابعاتها للمناطق المركزية فقط، والتي تتمتع بقدر أوفر من الإمكانات والخدمات مقارنة بالمناطق الأخرى.
ومما لا شك فيه أن كثرة طرح البرامج والمشاريع المتشعبة، والتي نتجنب وصمها بالوهمية، لوجود بعضها فعليا على أرض الواقع رغم عدم لمس أهميتها تطبيقيا، من شأنه أن يعرقل تنفيذ مشاريع وبرامج أكثر أهمية وأشد ضرورة في تحقيقها وفي متابعة تنفيذها. صحيح أن الوزارة لديها مسؤوليات كثيرة وضخمة، وينتظر منها تنفيذها في ظل تلك التصريحات والوعود التي لا تنقطع وفي ظل التحديات القائمة، إلا أننا أصبحنا نعيش على آمال نتمنى فيها من تحقيق الأولويات التي منها على سبيل المثال -حيث لا يمكن حصرها- الآتي:
- تنظيم عملية وسائل النقل المدرسي الخاصة بالمعلمات اللاتي يعملن في المناطق البعيدة والنائية عن مناطق سكنهن بما يضمن السلامة للجميع... وقد تم طرح الكثير من التصريحات للوزارة حول ذلك، وبما يشير إلى الاهتمام بالتوجه نحو التغيير والتنظيم، بينما لا نزال نسمع ونقرأ ما بين يوم وآخر عن تلك الحوادث المؤلمة دون تغيير في الإجراءات أو تطوير في المشاريع، إلى متى؟!
- العمل الجاد والسريع على توفير مبان مدرسية وفق معايير إنشائية تخدم هدفها التعليمي، وتناسب تطلعاتنا وتتوافق مع ما يتعلق بذلك من تصريحات وبرامج معلنة، في حين أنه ما زال لدينا مئات المدارس الآيلة للسقوط أو غير الصالحة لأن تكون مبنى يتلقى فيه أبناؤنا تعليمهم، أو تفتقد وسائل السلامة البسيطة ضد الحريق وغيره، بما يجعلها مباني تفتقد البيئة التعليمية المفترضة في أبسط صورها.
- ضبط الوضع الأمني للطلاب والطالبات في بيتهم الثاني وهو المدرسة، خلال لوائح وتعليمات صارمة تضمن الحقوق، وتمكن من مساءلة المقصر، بما يضمن المحافظة على سلامة أبنائنا وعودتهم سالمين لأهليهم، بينما نتابع ما بين آونة وأخرى كم من الحوادث المدرسية، منها الغرق لطالب في مدرسة أو في نزهة مدرسية، أو موت نتيجة الإهمال والتقصير في متابعة الأبناء في وسائل النقل وغيره. - تأمين الوضع الصحي في المدارس، وذلك خلال مراقبة ومتابعة ما توفره المقاصف المدرسية من أغذية في نوعيتها وسلامتها، إلى جانب أهمية وجود ممارسين صحيين واجتماعيين ونفسيين في المدارس، علاوة على تأمين المرافق النظيفة الصالحة للاستخدام.
- عروض متعددة يتم طرحها للمعلمين والمعلمات والطلاب من قبل الوزارة حول النقل والسياحة وشرائح الاتصال المخفضة، والأجهزة الإلكترونية، وتوفير خدمة الإنترنت، والتأمين الطبي، جميع ذلك بأسعار خصم رمزي (10%)، ومع ذلك تضطر الوزارة إلى التراجع عن بعضها -التأمين الطبي- لعدم دراسة المشروع بعمق قبل طرحه، علاوة على عدم تفعيل غيره من العروض في كثير من المناطق، بالإضافة إلى عدم وجود البيئة المدرسية الملائمة وبما يتبعها من خدمات أساسية ووسائل تعليمية.
ومما يجب الإشارة إليه وللمصداقية، إن الوزارة تعمل جاهدة فعليا في تطوير أدائها، ولما هو مطلوب منها ضمن مسؤولياتها في جميع ما يتعلق بالعملية التعليمية، غير أن جميع ذلك يحتاج لترتيب الأولويات، ولبرنامج عمل منظم ولوائح مساندة ومتابعة وتقييم لمستوى الإنجاز فيه، للدفع به نحو الأمام لتحقيق المستهدفات المرجوة لجميع المناطق والقرى دون استثناء.
وفي ظل تراكم الطرح والمسؤوليات يحسُن بالوزارة أن تلغي البرامج الثانوية، أو تلك التي لم نجنِ من ورائها سوى استهلاك الجهود والنفقات، ناهيك عما نحصده من تشتيت الجهود وضعف التركيز ومزيد من النفقات غير المحسوبة لبرامج لا تعتبر من الأولويات التي تمثل البنية التحتية التي تستند عليها العملية التعليمية برمتها، والتي يشكل فيها مستوى أهلية المباني المدرسية وبيئتها التعليمية، وجودة أداء المعلم ومستوى تحصيل الطالب، وكفاءة المنهج المدرسي وتوفر الكتاب المدرسي، القاعدة التي على أساسها ينهض التعليم عن مستواه الحالي، وفي حقيقة الأمر نحن لا نحتاج إلى قفزات مرحلية أو عمليات معقدة في وسائل معالجتنا لتحدياتنا التعليمية -وبما لا يتناسب مع بنيتنا التحتية- إنما نحتاج إلى وسائل ملائمة لواقعنا الفعلي ومتطلباتنا الملحة، وبذلك نحقق تطلعاتنا التنموية مرحليا بالشكل الصحيح، سواء في إطار العملية التعليمية أو غيرها من القطاعات المساندة.