حينما نستعرض الجهود الدولية لتأمين الفضاء السيبراني، نجد أن من أوضح العوامل المشتركة بين الدول الحديثة، هو وضعها الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، لتحقيق التعامل الاحترافي مع قضايا الأمن السيبراني، وضمان انسجام جهود الجهات الحكومية والخاصة، والتنسيق العالي بينها في سبيل تأمين الفضاء الإلكتروني.
تُمثّل إستراتيجية الأمن السيبراني خارطة طريق لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تتم صياغتها وفقا لنقاط القوة والفرص المتاحة في كل دولة، إضافة إلى اعتبار نقاط الضعف والتهديدات الحالية والمستقبلية.
أبرز التهديدات المشتركة في معظم الدول تشمل: وجود بعض الجهات المغرضة التي تتربص بالأمن الوطني، ونقص عدد المختصين الذين يمتلكون المهارات اللازمة في مجال الأمن السيبراني، وندرة الشركات الوطنية المزودة لخدمات الأمن السيبراني والتي يمكن الاعتماد على منتجاتها.
عموما، تشرح الإستراتيجيات الوطنية طريقة الحكومات في معالجة التحديين المرتبطين بالتطور الرقمي والمتمثلين في تطوير الخدمات الرقمية وحماية الأمن السيبراني.
بناءً على تجارب الدول التي نشرت إستراتيجياتها، نجد أن أي رؤية إستراتيجية للأمن السيبراني تدور حول خلق بيئة سيبرانية مرنة وموثوق بها، أي تحقق الأمن ولا تفقد ميزتها بالانفتاح وسهولة الوصول إلى موارد الفضاء السيبراني، مما يؤدي إلى حصاد فوائد الفضاء السيبراني، والتقليل من المخاطر المحتملة. ويمكن إجمال الأهداف الإستراتيجية للأمن السيبراني كما يلي: حماية البنية التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات، والاستجابة السريعة للهجمات الإلكترونية واستعادة الخدمات المعطلة عن طريق بناء قدرات دفاعية متطورة لحماية الفضاء السيبراني، والاستثمار في أحدث أنواع التكنولوجيا المتوافرة في الأسواق العالمية، والتي يمكن عن طريقها تحديد الجهة التي تقف خلف الهجمات السيبرانية، وجمع الأدلة التي تدينها، وتطوير الإمكانات الوطنية في مجالات الأمن السيبراني من متخصصين وشركات، وتحفيز الابتكار والاستثمار في مجال الأمن السيبراني للإسهام في تحقيق نهضة تقنية تخدم الاقتصاد، وتعزيز ثقافة الأمن السيبراني التي من شأنها دعم الاستخدام الآمن والمرن للفضاء السيبراني، وسنّ الأنظمة والقوانين التي تكفل سلامة الفضاء السيبراني.
ولا شك أن التنفيذ الناجح لهذه الإستراتيجية يحتاج التزاما وتصميما ومتابعة من جميع الجهات الحكومية والأهلية.
أخيرا، تشكل هذه الأهداف مجتمعة الركيزة الأساسية للحماية من الهجمات الإلكترونية والاستعداد لمواجهتها واكتشافها والتعافي منها، ولا شك أن لكل دولة خصوصيتها، ولا يصح القول إن هناك إستراتيجية واحدة صالحة لجميع الدول، فنقاط القوة والضعف تختلف من دولة إلى أخرى، كذلك الفرص والتهديدات التي تواجهها.