كتاب غائبون ومقالاتهم حاضرة


علوي طه الصافي


1363 جازان

ليسانس حقوق من لبنان

عمل أخصائيا اجتماعيا بالضمان الاجتماعي، عمل في قسم الصحافة العربية بوزارة الإعلام، ثم مسؤولا عن الأنظمة في المديرية العامة للمطبوعات، ثم سكرتيرا في مكتب الوزير، ثم تفرغ للعمل في مجلة الفيصل الثقافية الشهرية كرئيس تحرير لها ومنذ صدورها حتى اعتذاره عن المواصلة في بداية عام 1412. ومع بداية عام 1413. عين مستشارا لرئيس تحرير جريدة المدينة ثم نائبا للرئيس.



من أبرز كتبه : مطلات على الداخل – الأدب وموقفه من الحدث التاريخي والنضالي – ‏ الأدب العالمي والعالمية في الأدب – السمكة والبحر – قضايا وقراءات في الأدب والفكر – أرزاق يا دنيا أرزاق – إسبانية تحسب قلبي بئر بترول – يا زمان العجائب – ألوان ثقافية – بالاشتراك مع د. محمد عبده يماني وسباعي عثمان







كانت المرأة حلما يرتاح على أهداب الحياة، حلما يختال على حصان تداعب عرفه نسائم الربيع!

الرجل كان فارس الحلم بقامته الممشوقة، وبطل الخيال الذي تخفق أمامه أعراف الخيول كالبيارق في ميادين الحب، والعشق والشهامة والعِلْم.

صورة أوقدت حروفها أحلام العذارى، وربات الحجول وصاحبات الخدور، والسارحات الغاديات صدور الآبار!

صورة خلدتها انكسارات شاعر يتهادى بحزنه وفرحه على صدر الصحراء المشتعل صدقا وتألقا!

الحلم.. الفارس.. الخيال.. الحصان!

عناصر العلاقة بين المرأة والرجل قديما، ثم يدور التاريخ دورته، وتمر الأيام والليالي، وتركض الشهور والسنون حبالى بالفعل والحدث والتغيير.

رومانسية حادة تألقت كما تتألق لوحة فنان بارع اختار ألوانها وظلالها، و«موال» على فم أيام كانت لها «شنة ورنة»، و«أغنية» حاك كلماتها شاعر ضربت حوافر خيله كبد الأديم المكتئب بفعل الإنسان.. وتصرف الإنسان!

• ثم ماذا؟

أصبح الرجل مطالبا بتغيير النظرة والاعتراف بأن اهتمامات المرأة لم تعد أسيرة «الصورة» الرومانسية، و«الموال» الحزين و«الأغنية» والحلم!

لم تعد المرأة ذلك الإنسان الذي ينتظر الفارس القادم على صهيل حصانه، ومن خلفه نقع الحوافر، وغبار العدو ليختطفها إلى «مملكة الحلم» والأمان والاستقرار والحياة التي خُلقت لها!

كم هو رائع هذا الفارس حين يأتي في زفة تجرها العربات المحملة بالهدايا والأطايب وأكياس الهيل والحناء، وحبات سكر نبات، وملح لكيد الحسود!

بيت الوالدين ما عاد «محطة انتظار» لهذا الفارس الأسطورة! تعددت اهتمامات المرأة بتخطي دورها «التقليدي» وتجاوز مفهوم رجل الأمس.

اخترقت المرأة الحاجز العتيق الذي وضعه الرجل أمامها برضا منها، دخلت المدرسة فتعلمت «حروف هجاء» الحياة وأبجدية النور، والصراع الدائم بين الفاعل والمفعول، وكانت هذه بداية الرحلة، وإحدى المراحل!

وجاءت الجامعة مرحلة جديدة لإيجاد صيغة مناسبة لحروف الهجاء، وصورة واضحة للعلاقة بين مفاعيل النور ومفاعيل الظلام، طلبا لحل صراع الفاعل والمفعول من خلال منظر يقوم على قواعد رست بفعل أزمة نقاش احتد حينا ليسكن الهدوء أخيرا.

ثم ذهبت مع الرجل يدها بيده ينتصران لعلم الحياة على جهل المشاعر وأمية المفهومات، هي مرحلة صعبة أوهمت المرأة بـ«المثلية المطلقة» فأزعجت الرجل، وكانت الصدمة عنيفة!

تصورت المرأة «المثلية» على إطلاقها، حولتها إلى «ندادة» شاملة، ومشابهة كاملة، فثارت ثائرة الرجل رافعا وسائل المواجهة بعنف في وجه المرأة، وكانت النتيجة وجود هوة سحيقة رهيبة، وكان الارتطام على مستوى المواجهة، وبدأت المرأة تفقد أسلحتها، وتضعف أحيانا أمام سحب الرجل لثقته في المرأة!

حدثت الانقسامات داخل صفوف المرأة ووسط صفوف الرجل فكانت عمليات متناقضة، ومناهضة «ذاتية» نتيجة «للمواربة» حينا.. و«التفاوت الثقافي» أحيانا أخرى!

فلا المرأة استطاعت أن تضع حدودها الجغرافية على خارطة علاقتها مع الرجل في إطار الاعتراف بدور كل منهما.. ولا الرجل وُفق أمام هجمات المرأة في كبح اندفاع الخارج من القمقم وكل بما لديه فرح!

وتزداد القضية تعقيدا كمحصل مفروض للإصرار من جانب الطرفين على ما لديه من فرح!

هناك بعض الحلول الفردية استطاعت أن تجتاز الأسلاك الشائكة وتتخطى مواجهات الصراع القائم على خطأ!

• المطالبة هنا واردة!

الرجل مطالب باحترام اهتمامات المرأة العلمية والإنسانية، والاعتراف بوجودها الفعال في «التركيبة الاجتماعية»، متخليا عن شيء من أنانيته ونزعته في «الامتلاك» الكامل.

فالمرأة المبدعة من حقها أن تشارك في عملية الإبداع الإنسانية بآثارها الذهنية، أدبا وعلما ورأيا وفنا.

ومن واجبها الوفاء بكل الحقوق الطبيعية التي خلقت لها، والقيام بواجبات العلاقات «الثنائية» بشكل يساعد الرجل على التفرغ لدوره هو الآخر.

ليس من حق الرجل تفريغ المرأة المتفوقة من تطلعاتها الإنسانية في إثبات وجودها على مذبح أنانيته!

والمرأة ليس من حقها إهمال الدور الطبيعي والأساسي الذي فرضه عليها تركيبها «الفسيولوجي» و«السيكولوجي».

القضية تبدو سهلة، وميسورا حلها، وقد لا تكون كما هي ظاهرة ومعروفة مجرد «حقوق» للمرأة، و«سلب» أو «مصادرة» لهذه الحقوق من جانب الرجل!

القضية في رأيي محصلة تاريخية لثغرات مصطنعة خلقتها حساسية اهتمامات المرأة الجديدة من جانب، وخوف الرجل من فقدان سيطرته على جموح حصان المرأة، وبالتالي غيابه عن البطولة من جانب آخر!

ربما كان هذا هو منشأ الخلاف الذي يأخذ شكل الصراع!

القضية إذن، في حاجة إلى شيء من المراجعة الهادئة، بعيدا عن «العنعنات» غير المجدية، والهرطقات الفارغة والثارات المريضة، كي لا تخسر المرأة أشياءها الرائعة في غمار اللهاث، وتحت تيارات «الاستيراد السلوكي»، والتأثر بالمرأة في الغرب حتى لا يضطر الرجال أمام المواجهة العنيفة إلى سحب ثقتهم الكاملة.

حقيقة، يجب أن تعترف المرأة بها، وهي أن صراع الشوك ضحاياه عادة حبات الورد، وكي لا يتحول الرجل إلى شوك يمارس التمزيق، فإن على المرأة أن تكون هي الورد الرقيق والمطر والأرض الواعدة بالعطاء الخير، ليبقى الشوك حارسا للورد ومطر الأرض وسنابل الحقل ومحصول البيدر!

الملاحظ من خلال المطالبات الصارخة للمرأة بحقوقها أنها تطالب بها من خلال أنوثتها، مهملة بذلك مزاياها الإنسانية الأخرى، وهي بفعلها هذا تجرد نفسها من أروع ما فيها، وهذه غلطة المرأة وهي مشكلتها مع الرجل ومع نفسها!

وبهذا الأسلوب، أصبحت قضية المرأة من القضايا العادلة التي ينقصها المحامي الذكي.

الرجل لا ينكر حقوق المرأة كأنثى. ومطالبتها بهذه الحقوق من نافلة القول وتحصيل حاصل!

والرجل سعيد بأزمة المرأة، لأنه يعرف أنها أزمة مفتعلة، أو لا أزمة، وهو يساعد على استمرارها لأنه يرى فيها وسيلة «إشغال» للفراغ الذي أوجده غياب المحامي الجيد. البعيد عن حلبة «الرقص»، وحلقات «الزار»، وأصوات «الطبول»!

هذه هي قضية المرأة منذ أن لبست «الأوية» في الماضي، إلى أن وصلت إلى استعمال «الباروكة». ولله في خلقه شؤون!.