لا أحد ينكر ما للإعلام، سواء المسموع أو المقروء أو المشاهد اليوم، من دور كبير في حياة الشعوب والدول والمجتمعات، فالإعلام على تنوع وسائطه يقوم بدور فعّال في نقل الأخبار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والفنية وغيرها، ويعمل على تواصل الشعوب مع بعضها بعضا، ويسهم في نقل ثقافاتهم بكل ما تحتويه من تقاليد وطرق العيش، ومن تراث وعادات، ويلعب دورا في تشكيل الثقافات وصناعة الترفيه والتسلية، كل ذلك يجعل من وسائل الإعلام في غاية الأهمية في حياة الجميع، كبارا وصغارا، ومع بروز وسائل الإعلام الجديد التي أعقبت ظهور الأجهزة الإلكترونية وتطورها، وظهور التقنية الذكية وبسطها لنفوذها في حياة الناس، أصبح الإعلام القديم والجديد بكل وسائطه المتنوعة وتطبيقاته الكثيرة، أكثر أهمية في حياة الشعوب وأكثر تأثيرا، وأصبح القوة الناعمة التي يمكن توظيفها بشكل إيجابي أو سلبي في الأزمات والأحداث، واستخدامه في المعارك والأزمات، بما يمتلكه من سطوة في التأثير القوي على المتلقين، الخلاصة إن الإعلام بكل وسائطه قوة لا يستهان به، يجب تسخيره والاستفادة منه استفادة إيجابية في كل المجالات، وتحديدا، وهذا صلب مقالي، أننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى استثمار الإعلام لمواجهة الحملات الإعلامية القذرة الموجهة ضد بلادنا، والوقوف بوجه اصطفاف الفضائيات الغربية والعربية التي لا تحمل لنا إلا النوايا السيئة، وتستهدف بلادنا التي لم تعد تسلم من هجماتها الوقحة في كل حدث تكون طرفا فيه، وما قضية اختفاء جمال خاشقجي إلا أنموذج لما أقول.

نحن في السعودية لدينا وسائل إعلام مقروءة ومسموعة ومرئية، ولدينا فضائيات رسمية وتجارية نجحت أن تصل إلى كل بيت عربي، وتخاطبهم أينما كانوا، وهذا شيء جيد، ولا أريد هنا التقليل من الدور الذي تلعبه الفضائيات السعودية الرسمية أو حتى التجارية، في إبراز ما وصلت إليه بلادنا من تنمية وتقدم وتطور في جميع المجالات الاجتماعية والعمرانية والعلمية والاقتصادية والأمنية، وفي جميع الجوانب والميادين، أو تناول القضايا الداخلية أو الخارجية، ولعله من باب الإنصاف أن يأتي ذكري هنا على «قناة السعودية 24» التي نجحت إلى حد كبير في القيام بدورها الإعلامي الوطني، واستضافت وجوها إعلامية سعودية، لبحث الكثير من القضايا الداخلية والخارجية ذات الأهمية، ولدحض مغالطات أصحاب الهجمات الإعلامية التي توجه ضد بلادنا والدفاع بعقلانية عن أمن البلد واستقراره، كتعاطي القناة وضيوفها مع قضايا الإرهاب، أو الحرب مع ميليشيات الحوثيين الإرهابية المدعومة من إيران، أو ما قامت به في التعاطي مع الأزمة الأخيرة المتعلقة باختفاء الصحفي جمال خاشقجي في تركيا وما تبع تلك الأزمة من أحداث.

وبالرغم من ذلك الدور الذي تقوم به القنوات السعودية الرسمية تحديدا والفضائيات التجارية، أنا أشعر بأننا ما زلنا بحاجة إلى إعلام وطني قوي يقوم بدور أكبر مما هو عليه الآن، للدفاع عن الوطن ومنجزاته ورموزه وسياساته وقضاياه، فحديثنا وتناولنا لقضايانا الخارجية وإدارة أزماتنا مع الآخرين عندما يكون موجها للداخل، فلن نصل إلى الهدف المنشود في مخاطبة الآخر وإيصال رسالتنا، فكلنا أبناء الوطن نعرف ما تحقق لبلدنا من تقدم ونهضة وقرارات تاريخية، ونعرف صدق مواقفنا، ونعلم بثبات سياساتنا الخارجية، واتزان دبلوماسيتنا مع الآخرين وعلاقاتنا معهم، لكن حاجتنا إلى إعلام لمخاطبة من هم في الخارج من عرب وغربيين، الذين قد تغيب عنهم حقيقة منجزاتنا التي تعدّ معجزات في عمر الدول، ولإبراز ما نقوم به تجاه العرب وقضاياهم من تضحيات ومساهمات بلا حرج، بعد أن لمسنا من يتنكر ويجحد، ولتعرية الإعلام المعادي بلا تردد الذي يسخّر كل قدراته لحربنا إعلاميا، حتى لا يظن أن ذاكرتنا مخرومة، نريد إعلاما وطنيا بلغات إنجليزية وفرنسية وغيرها موجها للخارج، يعتمد على التقارير، والأفلام الوثائقية والإحصائيات، ويستفيد من القدرات الإعلامية الوطنية والمثقفين لمواجهة كل متطاول على بلدنا أو رموزنا السياسية أو الدينية أو مؤسساتنا الحكومية، والعمل على «إخراسه» بالحقائق والأدلة، وأقول إن لدينا شريحة من الإعلاميين والمثقفين الوطنيين قادرين على مقارعة مرتزقة الإعلام المأجورين، فمع بالغ تقديري لكل عربي يسهم في الدفاع عن بلدنا، إلا أننا أحق منه بالحديث عن بلدنا والدفاع عنه وإيصال رسالتنا بصوتنا القوي، نحن بحاجة إلى إعلام قوي يدير أزماتنا الخارجية باحتراف ومهنية، فقد شاهدنا الفضائيات المعادية وهي تذهب إلى مسرح الحدث، وتبعث مراسلين لها، وتستضيف إعلاميين وخبراء لم يعرف عنهم غير تزييف الحقائق والعداء لبلادنا، وتبادر بالأخبار العواجل، مع أن بضاعتهم تعتمد على الزيف والتضليل والكذب والمزاعم الباطلة، والجميع يسأل أين إعلامنا؟ فالاكتفاء «باللغة الخطابية المنمقة» كمنهج بعض الفضائيات التجارية في توجيه خطابنا للخارج، لا يفعل شيئا، لقد تبين لي أننا أصبحنا مضطرين للدخول في مواجهات إعلامية على كل الأصعدة، مع وسائل إعلام عربية وأجنبية كشّرت عن أنيابها، ولم تعدّ تخجل من مهاجمة بلدنا دائما، ومضطرين لخوض معارك مع إعلاميين مرتزقة والتصدي لآلاف الحسابات وأسراب الذباب الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي المدعومة من دول لم تعد تخفى علينا، فلم يعد جيدا أن نترك الساحة لتلك الفضائيات والحسابات، ولأولئك الإعلاميين المأجورين، ليأخذوا راحتهم في ترويج الأكاذيب، وتأليف القصص وتلفيقها، وتجييش الرأي العام، وترديد التهم وتزييف الحقائق للإساءة إلى بلدنا، وتشويه مجتمعنا، ورُمينا تارة بالتطرف، وتارة بدعم الإرهاب، وتارة وصفنا بالبداوة وسكان الصحراء والخيام، وهم يعلمون أنهم كاذبون، وأن بلادنا من أصدق الدول العربية التي تعمل على مكافحة الإرهاب وقد اكتوت بنار الإرهابيين، وأن بلادنا أصدق من عمل لمصلحة قضايا العرب والمسلمين، وعلى رأسها قضية فلسطين، ولا تزال تؤكد دعمها للقضية، في حين أن هناك من العرب من باعها وتاجر فيها، وأنها البلد العربي الوحيد الذي يفي بالتزاماته العربية والإسلامية، ويدعو إلى الوحدة والتضامن العربي والإسلامي.

خلاصة القول نحن بحاجة إلى «إعلام وطني قوي بحجم الوطن» كوادره وطنية مئة بالمئة، للتصدي لكل من يتطاول على بلادنا، وإلقامه حجرا ودحض أكاذيبه وتدليسه وتزييفه، ولا تأخذنا في ذلك -ونحن على الحق- لومة لائم، وبحاجة إلى تسجيل قائمة سوداء لكل وسيلة إعلام وإعلامي وفنان ومثقف أساء إلينا يوما ما، حتى لا يظن ظان أن ذاكرتنا ضعيفة، فقد كشفت لنا الأزمات والأحداث أننا أمام تحديات كبيرة وأجندات خطيرة يجب مواجهتها بحسم.