صدر في التاسع من ديسمبر، وهو اليوم العالمي لمكافحة الفساد، تقرير عن منظمة الشفافية الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة، يعلن أن ثلاثة أرباع الدول التي شملها المسح جاءت نتائجها دون خمس درجات، مما يعني تفشي الفساد بها بشكل كبير. هذه النتيجة تعني أنه لا تكاد تخلو دولة من الفساد، ولكن وبالتأكيد بنسب متفاوتة.. هذه الأزمة العالمية أصبحت تجهض جهود التنمية المستدامة وتقضي على جهود الإصلاح والتطوير وتعطل جهود الأمن والاستقرار في العالم، بل وتتجاوز إلى أنها تحد من جهود الدول في محاربة الإرهاب، وما غسيل الأموال إلا صورة من صور الفساد، وما الحصول على السلاح بطرق غير نظامية والتعاطف والتستر على الإرهابيين إلا صورة من صور الفساد.
يقول التقرير إن أفضل عشر دول في العالم تتمتع بشفافية عالية ونسبة أقل من الفساد هي الدنمارك، نيوزيلندا، سنغافورة، فلندا، السويد، كندا، هولندا، أستراليا، سويسرا، النرويج، فما الذي جعلها تحقق هذه المراتب المتقدمة؟. وبالنسبة للدول العربية فإن قطر حققت تقدما كبيرا على مستوى العالم، حيث حققت المركز التاسع عشر، متقدمة على بريطانيا وأميركا وبعدها الإمارات العربية المتحدة، عمان، البحرين، السعودية والأردن (مكرر)، الكويت، تونس، المغرب، مصر بنسب متفاوتة جداً على القائمة الدولية، وهذا يعني أنه ممكن الحد من الفساد متى توافرت الإرادة.
إذا كانت المملكة العربية السعودية كغيرها لا تخلو من الفساد إلا أنها تحظى بدعم كبير من القيادة لمحاربة الفساد، ومواقف الملك عبد الله بن عبد العزيز المستمرة في الإصلاح ومحاربة الفساد معروفة للجميع ومكرسة بشكل كبير، ويبقى دور المواطن والإعلام في مواكبة توجهات الدولة. لقد استشرى وللأسف الشديد الفساد الإداري والمالي لدينا حتى أصبح حديث الناس وأصبح لا يكاد يخلو مجلس من الحديث عن استغلال البعض للمال العام واستغلال السلطة والنفوذ وضياع مصالح الناس وسوء تنفيذ المشاريع بل وحتى غيابها في أحيان كثيرة وعدم حصول الناس على مصالحهم إلا بطرق غير مشروعة، حتى بات لدى الناس القناعة التامة أنه لا بد من أن تدفع حتى تستطيع إنهاء معاملتك بيسر وسهولة، بل وحتى تستطيع أن تحصل على حقوقك المشروعة. وأصبح معروفا للجميع أنه إذا أردت أن تنجز في ساعة ما يتطلب إنجازه شهرا فما عليك سوى أن تدفع، وإذا دفعت فإن الحق يصبح باطلاً والباطل يصبح حقا والنظامي يصبح غير نظامي والعكس صحيح.
العالم المتقدم يطور أنظمته وآلياته بشكل يجعلها قادرة على مطاردة المفسدين ومعاقبتهم وبالتالي الحد من الفساد إلا عندنا، فإن النظام يحمي المفسدين بتفاوت تفسيراته والدخول من ثغراته وأحياناً جهل الناس بالنظام وآلياته وإجراءاته. لا يمكن محاربة الفساد دون أن يعمق لدى الفرد الشعور بالانتماء والولاء للوطن، والانتماء والولاء للوطن لا يمكن أن يكرس ويغرس إلا عندما يعرف الفرد واجباته ويمارسها على أرض الواقع ويحصل على حقوقه كاملة ويرى أن الدولة تحميها. ولا يمكن محاربة الفساد إلا إذا عرف المواطن القوانين والأنظمة الرادعة للفساد وبكل أشكاله. ولا يمكن محاربة الفساد إلا إذا كان هناك تكريس للشفافية واحترام للنظام واحترام لحقوق الآخرين. ولا يمكن محاربة الفساد دون وجود أساليب واضحة ومعلنة بطرق الإبلاغ عن الفساد وتوافر حماية للمبلغين من سلطة الفساد. ولا يمكن محاربة الفساد إلا عندما يكون الجميع دون استثناء تحت طائلة النظام. ولا يمكن محاربة الفساد دون مساحة كافية للسلطة الرابعة-الإعلام- للقيام بدوره في كشف خبايا الفساد وفضح المفسدين. ولا يمكن محاربة الفساد دون الفصل بين السلطات في الدولة وتعزيز دور القضاء واستقلاليته.
إن محاربة الفساد هم مشترك وقضية وطنية وشأن اجتماعي تحتاج إلى وجود تشريعات جديدة وآليات فاعلة ومشاركة مجتمعية وجهود مستمرة، ووجود إدارات للشفافية في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة الخاصة والحكومية تعمل على نشر ثقافة الشفافية ومحاربة الفساد ووضع اللوائح والأنظمة التي تعزز الشفافية ومتابعة الملاحظات والشكاوى المتعلقة بالفساد، ويجب أن تتبع هذه الإدارات للوزير المعني مباشرةً وترفع تقاريرها له مع صورة لمجلس الوزراء ومجلس الشورى وديوان المراقبة العامة والجهات التي لها علاقة. وأيضا السماح بإنشاء جمعيات أهلية في المناطق والمحافظات تنشر ثقافة الشفافية وتسهم في محاربة الفساد والإبلاغ عن المفسدين.