تخيل أن قاتلا غبيّا أراد أن يتخلص من شخص فأحضره إلى منزله ليسفك دمه، لكنه تورّط في الجثة لأن المنزل مراقب بالكاميرات، والشرطة تحيط بالمنزل!، هذا السيناريو ينفع للممثل الشهير البريطاني مستر «بين». عرف الجمهور هذا الرجل بأدواره الصامتة التي تضع الغباء في قالب كوميدي ساخر.

هكذا عرضت نفسها جوقة قناة الجزيرة مع زمرة من جماعة «الخوّان» الإرهابية في مسرحية جمال خاشقجي، وتابعتها بعض الوكالات والقنوات الإعلامية، والتي سقطت سقطة شنيعة في اختبار «ألف باء» الخبر الإعلامي، والذي يعتمد على المصدر الموثوق لحماية مصداقيتها، ولاحترام شرف المهنة.

قناة الجزيرة وزمرتها لم يعيروا شيئا للوضع الإنساني والأخلاقي، حين أعلنوا مقتل الرجل دون احترام لمشاعر أهله وأصدقائه ومحبيه، معتمدين على مصدر امرأة مجهولة اتضح - فيما بعد- أن لها علاقة ببعض الجهات الاستخباراتية القطرية.

مصدر آخر للقناة نفسها، وهو حساب تويتري وهمي، والذي لم يحدث لمؤسسة إعلامية -صغيرة كانت أم كبيرة- أن تعتمد على مثل هذه الحسابات المجهولة.

وللمضي في حفلة الكذب، ترسم القناة السيناريو وكأنها الشاهد الأوحد، والمحقق الجنائي، والمقرر الطبي، والقاضي، لتؤكد الوفاة وتعيّن مسرح الجريمة «القنصلية السعودية»، وممارسة التعذيب -قبل القتل- ونقل الجثة إلى مكان آخر دون أي وجود لتلك الجثة المزعومة.

إن من حق السلطات التركية أن تستدعي القناة ومنسوبيها الذين صرّحوا بهذه الأخبار ومساءلتهم ومطالبتهم بإثبات تلك الدعاوى.

ومن حق تركيا، أيضا، أن تقاضي القناة، حين تظهر نتائج التحقيقات، لأنها قدمت صورة مشوهة للأمن التركي الذي جعلت منه نظاما هشّا، ورسمت في ذهن العالم الدولي أن الوضع الأمني في تركيا مرعب، وأن البلد ساحة مفتوحة للخطف والتعذيب وسفك الدماء، مما ينعكس على السياحة التركية والاقتصاد التركي اللذين يعانيان الأمرّين حاليا.

في المقابل، فقد كسبت قناة الجزيرة ومنسوبوها الترتيب الأول في مهرجان حذف التغريدات، والذي لم يحصل لأي وسيلة إعلامية أخرى، وبالتالي فهي مرشحة، بقوة لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية في هذا المجال.

ومن تصاريح الافتراء، أن القنصلية السعودية أفادت بأن كاميراتها الداخلية لا تسجل الأحداث، بينما لم نسمع مصدرا سعوديا يقول هذا، وربما هم استندوا إلى عدم نشر القنصلية تلك التسجيلات. وإذا كانت السلطات السعودية لديها تسجيلات أو أدلة فإنها -بالتأكيد- ستقدمها لنظيرتها الرسمية وليس للملأ.

أختم بأجمل تقرير اطلعت عليه، قام به الإعلامي عبدالرحمن الثابتي، والذي منتجه بجهازه الجوال ليس إلا:

?«هناك صمت تركي غريب، حيث صمت من يجب أن يتحدث، ويجيب عن الأسئلة، وتحدث من يجب عليه أن يصمت. أصبحت وكالات الأنباء تقدم معلومات لوكالات الاستخبارات، وأصبح الإعلاميون يلعبون دور رجال الأمن! ويقدمون معلومات لم تصل إليها الجهات الأمنية في تركيا!».