في جامعاتنا باحثون مميزون في كافة التخصصات العلمية والإدارية الحديثة، ولديهم القدرة على بحث أي معضلة تواجه القطاعين العام والخاص، هذه حقيقة لا خلاف حولها. صحيح أن مستويات هؤلاء الخبراء الوطنيين متفاوتة، لكنهم على وجه العموم قادرون على البحث العلمي المحترف ومواجهة التحديات المختلفة كلٌ حسب اختصاصه. معظم منسوبي الجامعات ومراكز الأبحاث الوطنية درسوا في جامعات مرموقة وفي أكثر الدول تقدماً، وانخرطوا في مجال البحث ونشروا أبحاثهم في مجلات محكمة ومؤتمرات عالمية. هنا نتفق على أن المعرفة والخبرة موجودتان، ليظهر لنا سؤال محرج بعض الشيء. السؤال البريء يقول لماذا لا نرى نتائج عملية وأبحاثا قابلة للتطبيق من هاتيك العقول؟
حتى أمهد لمحاولتي الشخصية المتواضعة للإجابة عن هذا السؤال، أطرح أمامك أخي القارئ مصطلح منظومة البحث العلمي بشكل موجز. تتكون منظومة البحث العلمي من ثلاثة عناصر رئيسية هي مراكز البحث والتطوير، القطاع الخاص، والقطاع الحكومي أو العام. مهمة مراكز البحث والتطوير هي تأهيل وتدريب الكوادر البشرية، بحيث تكون قادرة على أداء مهامها إلى جانب توفير ما يحتاجونه من الأجهزة والبرامج المساعدة على إنجاز الأبحاث العلمية المحترفة. مهمة القطاع الحكومي هي سن الأنظمة والقوانين التي تكفل نجاح قطاع البحث والتطوير ومراقبة تطبيقها. مهمة القطاع الخاص هي التواصل مع قطاع البحث والتطوير لينقل إليه المشاكل والعيوب التي تحول دون تطوير المنتجات أو الخدمات، ورفع مستوى الجودة مع إبقاء التكاليف في أدنى مستوى ممكن. بالنسبة لقطاع البحث العلمي، فأعتقد أن المعامل المتوفرة رائعة، والباحثون لديهم قدرات بحثية ممتازة. أما القطاع الخاص فهو - برأيي- أضعف عناصر منظومة البحث العلمي، وذلك لقلة المنتجات الصناعية وعدم إدراك الفوائد التي تعود على المنشآت والمصانع من وراء البحث والتطوير، هذه الفوائد تترجم في الدول المتقدمة على شكل أرباح مادية طائلة. بقي موضوع سن القوانين المتعلقة بتنظيم قطاع البحث والتطوير ومراقبة تنفيذها، وهنا أعتقد أنه آن الأوان لإنشاء هيئة وطنية للبحث والتطوير وإسناد هذه المهمة إليها.
إذن، لكي نصنع منظومة بحث علمي ناجحة يجب أن نركز على ميزاتنا التنافسية المتمثلة في صناعة البترول والطاقة الشمسية وتحلية المياه وزراعة النخيل ومجالات الحج والعمرة، وهذه سبق أن كتبت عنها مقالاً مفصلاً يمكنك أن تجده على الإنترنت. كما يجب إلزام القطاعات الحكومية والخاصة بطلب حلول للمشاكل التي تواجههم عن طريق مراكز الأبحاث الوطنية، فإذا كنا نلجأ لمراكز الأبحاث وشركات الاستشارات الأجنبية من أجل البحث عن حلول لمشاكلنا فلن يتطور لدينا شيء وسنبقى ندور في حلقة مفرغة. أخيراً، الحاجة ملحة لهيئة حكومية مختصة بقطاع البحث والتطوير تسن القوانين والتشريعات وتراقب تطبيقها بما يحقق المصلحة الوطنية.
نافل العتيبي